في الجزء الثاني من حواره أكد الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد عضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب المسجد الحرام والمستشار بالديوان الملكي أن الشباب أعظم ثروات الشعوب وأن ربحها في تنميتهم وإتاحة متطلباتهم الدينية والدنيوية ليعيشوا في واقع وبيئة يتحقق من خلالها وضوح أهدافهم وإدراك دورهم في بناء مجتمعاتهم، لافتا إلى أن انشغال الشباب بسفاسف الأمور واختزالهم في الترفيه يجعلهم في غياب عن الواقع وخسارة عظيمة. وبين ابن حميد أن كثيرا من الشر وفساد ذات البين الذي يقع بين أهل العلم؛ منشأه الهوى وسعاة الباطل ونزغات الشيطان، لافتا إلى أن التواصل والتواصي ضمان لتضييق الدائرة على أسباب الفرقة، وكفيل بمحو بذور الجفوة، وإشاعة الألفة والمحبة.. فإلى التفاصيل: ليكن مطلع حديثنا في الجزء الثاني من الحوار عن منهج السلف الصالح، وما يحاول الأعداء هذه الأيام تشويه صورته وتلفيق التهم تجاهه، كيف يمكن التعليق حول هذه النقطة وكذا أبرز معالم هذا المنهج؟ أولا، من القصور في النظر والفهم حصر منهج السلف الصالح في قضايا معينة أو علم معين أو بلد معين أو فئة معينة، فالسلف الصالح ليس يدعي تمثيلهم أحد ولا ينطق باسمهم عالم فليس ثمة جماعة محصورة تمثل هذا المنهج وإنما يوجد أفراد وجماعات ينتمون إلى هذا المنهج وينتسبون إليه ويسعون لتحقيق منهج السلف الصالح. أضف إلى ذلك، أن منهج السلف الصالح ليس مسؤولا عن أخطاء بعض المنتسبين إليه وإنما تنسب الأقوال والأفعال والتصرفات إلى أصحابها وجماعاتها لا إلى المنهج كما أن منهج السلف الصالح يعتمد النص الشرعي وفهم السلف الصالح وطرق استدلالهم ومصدر التلقي عندهم وليس ذلك محصورا في فهم عالم بعينه فأصول ومبادئ هذا المنهج لم يولدها فكر بشري ولا ظرف تاريخي ولا اجتهاد مجتهد بل عمادها الكتاب والسنة. أما عن معالم هذا المنهج، من ذلك لزوم اتباع الكتاب العزيز والسنة الصحيحة الثابتة والحذر من اتباع الهوى والبدع على حد قوله صلى الله عليه وسلم فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ظلالة. وهنا أؤكد على عظيم أثر السمع والطاعة وضرورة تقديمها مهما احلولكت الظروف وأظلمت الدروب غير أن الذي ينبغي تبيينه وبيانه أن السمع والطاعة لا تعني ضياع الحقوق أو التفريط فيها فمع لزوم السمع والطاعة من حق الناس المطالبة بحقوقهم من الولاة ظلمة كانوا أو عادلين ولا تنافي بين لزوم السمع والطاعة وظهور بعض المظالم وحق المطالبة بالحقوق ورفع المظالم، ومن معالم هذا المنهج النصيحة نصيحة في إخلاص وصدق وديانة وحفظ الحق والمكانة والبعد عن التشنيع والتشهير أو سلوك مسالك تؤدي إلى التفرق والشحناء. ومن معالم هذا المنهج أنه لا تعصب إلا للحق وما جاء في كتاب الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وعدم التعصب يقترن بعدم ادعاء العصمة لأحد كائنا من كان من علماء الدين وأئمته من الصحابة ومن بعدهم فضلا عن غيرهم فلا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه عز وجل ومن هنا فإنهم لا يمنعون الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف بناء على فهم النص وتقدير المصالح والمفاسد وتحقيق الغايات والمقاصد إذا صدر الاجتهاد من أهله في محله ولهذا كان السلف الصالح يختلفون ويعذر بعضهم بعضا ومن معالم هذا المنهج التفريق الظاهر بين الحكم على الأوصاف والحكم على الأعيان فالحكم على الأعيان فيه من الضبط والتورع والاحتياط ما هو معلوم في هذا المنهج المبارك. إن منهج السلف هو الدين بجميع شرائعه في التوحيد والإيمان والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العلاقات والحقوق والمعاملات والسياسة بحقائقها وحدودها وشرائطها في وحدة لا تفرق فيها، وأن أئمة أهل العلم وأساطينه مجددون لا مؤسسون فأي دعوة تعظم النص الشرعي وتصون دلالته وتقف دون تحريف الغالين وتأويلات الجاهلين وانتحالات المبطلين فهي دعوة حق، ولا يوصف سلوك المرء بالاعتدال والوسط والسماحة إلا إذا سلم من نوع التطرف والتشدد والتنطع والميوعة والذوبان وإدخال نزاعات النفس والقناعات الشخصية في الأحكام سلوك لا يمت للعلم بصلة ولا لحرية الفكر بنسب فإذا قال عالم بتحريم ما يرى غيره حله أو وجوب ما يرى زميله استحبابه لا يوصف بأنه متشدد فهذا ليس من العلم ولا من الاتصاف به ناهيكم إذا كان ما يقول به هو قول جماهير أهل العلم. موجة اضطرابات يعيش العالم موجة اضطرابات ويدخل عليهم رمضان في حال مختلف ما الواجب على المسلمين تجاه إخوتهم المنكوبين في العالم؟ يقول الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، فالمؤمن ولي المؤمن يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويتألم لألمه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، إن المؤمن الحق لا يكون أنانيا، بل ينبغي أن يحيا لنفسه ولغيره، ويهتم بقضايا أمته، ويعيش هموم إخوانه من المسلمين في كل مكان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني في الأوسط: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ويقول كما في الصحيحين: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). إن الموفقين في هذه الدنيا هم أصحاب المواقف العظيمة الذين يسر الله لهم خدمة الناس والسعي في مصالحهم وقضاء حاجاتهم. إن المسلمين هانوا أفرادا وجماعات حين ضعفت فيهم أواصر المحبة، ووهنت فيهم حبال المودة، واستحكمت فيهم الأنانيات، وساد فيهم حب الذات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن والمسند: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل). ومما يعظم المسؤولية ويجسد استشعار حقوق إخواننا المسلمين ما نشاهده من مآس في بعض بلادنا العربية والإسلامية في الصومال وفي سوريا وفي بورما فحق على إخوانهم المسلمين الوقوف معهم ومساندتهم وتأييدهم بكل صور المساندة والتأييد فقد وقع عليهم من الظلم والنكبات ما يستوجب الوقوف معهم وإعانتهم ماديا ومعنويا ومساندتهم في المحافل الدولية لينالوا حقوقهم ورفع المظالم عنهم. تأثير الصيام كيف نجعل الصيام مؤثرا في واقعنا، نجد البعض يضيق بأخلاقه ويحتج بأنه صائم، هناك قيم يزرعها الصوم في المسلم، لماذا لا تتحقق في البعض؟ الصيام هذه العبادة العظيمة التي يقول الله عز وجل فيها كما في الصحيح: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) .إن كثيرا من الناس لا يشعرون بأثر للصيام على نفوسهم، مع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول كما عند البزار وأحمد في المسند: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر) أي: غله وحقده، فالصوم الحق يقطع أسباب التعلق بغير الله، ويورث الحرية من رق الشهوات؛ لأن المراد من الحرية أن يملك الإنسان الأشياء ولا تملكه، وقد قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) لأجل (لعلكم تتقون) فإذا لم يستشعر الإنسان في صيامه التقوى، فعليه أن يراجع نفسه ويحاسبها متسائلا عن الأسباب، والأسباب كثيرة، منها: أن الصيام وهو عبادة من العبادات أصبح عند كثير من الناس مجرد عادة، يدخل الإنسان فيه دون أن يستشعر التقرب لله - عز وجل - بهذه العبادة، ترى قلبه غافلا لاهيا عن التذكر والتفكر والجد والتشمير والتقرب لربه ومولاه والتعرض لنفحاته. وفي المقابل: انظر إلى ذلك الرجل الصالح الذي يستشعر عند السحور وعند الإفطار، أنه يأكل هذه الأكلة من أجل أن يتقوى على الصيام والقيام الذي يتقرب به إلى الله - عز وجل -، وفي أثناء صومه حدث نفسه وعالج قلبه بأنه إنما يفعل ذلك حبا وتقربا إلى الله، واشتغل بما يقربه إلى ربه من أنواع الطاعات والقربات حتى يأتي يوم القيامة وقد وضع ذلك كله في ميزان أعماله، ثم إذا أفطر فرح بهذا الإفطار وانتظر فرحه الآخر بهذا الصوم حين يلقى ربه - جل وعلا - فقلبه منشغل بالتعبد لله - عز وجل - فهذا هو الصيام الذي يرجى لصاحبه الأجر العظيم، وهذا هو الصيام الذي يعالج النفس والقلب من أمراضها وأدرانها. قضايا الأمة ما دور العلماء تجاه قضايا الأمة وكيف يسهمون في توعية الناس؟ العلماء بقدر مكانتهم تعظم مسؤوليتهم في واقعهم ومجتمعاتهم وأمام الله عز وجل، وقال - سبحانه -: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم). العلماء هم قاعدة التوازن وعماد اللحمة ووحدة الصف واجتماع الكلمة فبقدر ضعفهم أو إضعافهم في الناس يظهر الضعف في صفوف المجتمع المسلم، لذا سيكون الجواب وفق النقاط التالية: أولا: أن مما يؤكد ضرورة أهل العلم إلى وصل ما بينهم في أيام الفتن وتواصيهم بالحق والصبر؛ أن الفتن أعاذنا الله منها تغير القلوب، وتشوش عليها بما تبعثه من الشبهات المانعة من معرفة الحق والحائلة دون قصده، ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن بأنها كقطع الليل المظلم، كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم)، ووصفها أيضا بأنها عمياء صماء، كما في سنن أبي داود من حديث حذيفة. وإنما وصفت الفتنة بذلك؛ لأن الإنسان يعمى فيها عن أن يرى الحق، وأن يسمع فيها كلمة الحق. ثانيا: أن واجب النصيحة للأمة يتطلب من أهل العلم ورثة الأنبياء أن يبذلوا وسعهم في دلالة الأمة على خير ما يعلمونه لهم، وأن يحذروهم شر ما يعلمونه لهم، وإنما يبلغ الناصح ذلك بالاجتهاد في تبين الصواب ومشاورة أولي الألباب من إخوانه، فقد أثنى الله على أهل الإيمان بهذا، فقال في سياق الثناء عليهم: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) وما كان أغنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يشاور أحدا وقد تكفل الله له بالهداية والنصر، ومع ذلك فقد أمره الله تعالى بمشاورة أصحابه - رضي الله عنهم - فقال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)، ولقد بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ بذلك حتى قال أبوهريرة - رضي الله عنه - كما في الترمذي: (ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فواجب على ورثته أن يتأسوا به. قال بعض الحكماء: من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأي الفذ ربما زل، والعقل الفرد ربما ضل. وقد قيل: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادم ولا طريق إلى تحصيل ذلك إذا وجد التقاطع من أهل العلم والفضل، ويعد من أكبر العوائق. ثالثا: أن كثيرا من الشر وفساد ذات البين الذي يقع بين أهل العلم؛ منشأه الهوى وسعاة الباطل ونزغات الشيطان، فالتواصل والتواصي ضمان لتضييق الدائرة على أسباب الفرقة، وهو كفيل بمحو بذور الجفوة، وإشاعة الألفة والمحبة، ومما قيل: المحبة شجرة أصلها الزيارة. تجسير الفجوة كيف يستوعب العلماء الشباب وكيف نستطيع تجسير الفجوة الحاصلة بين الشباب من جهة والدعاة والعلماء من جهة؟ لعل فيما ذكر في السؤال السابق جوابا لهذا السؤال، ومما ينبغي أن يعلم بأن الشباب هم أعظم ثروات الشعوب وربحها في تنميتهم وإتاحة متطلباتهم الدينية والدنيوية ليعيش هؤلاء الشباب في واقع وبيئة يتحقق من خلالهما وضوح هدفه وإدراك دوره في بناء مجتمعه، وأما إشغالها بسفاسف الأمور واختزالهم في الترفيه مما يجعلهم في غياب عن الواقع بغير الواقع، فهذه خسارة ما بعدها خسارة، وهذا يجعل المجتمع بجميع أطيافه ومسؤولياته أمام شراكة اجتماعية لتنمية هؤلاء الشباب نحو بناء روحي ومادي تجتمع به الكلمة والمسؤولية، فالإعلام على سبيل المثال محوري في هذه الشراكة من خلال تعزيز الهوية الإسلامية التي تلقاها الشاب في محاضن التعليم والتربية وألا يعيش هؤلاء الشباب فصاما نكدا تغيب معه الأدوار والمسؤوليات. خطر عظيم كيف ندرأ الفتنة من بلاد المسلمين عامة وبلادنا خاصة وما هو الواجب على الشباب تجاه دينهم ووطنهم لاسيما في وقت كثرت فيه الفتن ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي التي بات البعض منها يعج بالإشاعات والأراجيف؟ لعلي أركز الحديث على جانب مهم أرى أنه يجمع الجواب وهو ما يتعلق بالإشاعة فهي من أعظم أدواء العصر الحاضر وفي هذه الأيام مع زخم الوسائل المتسارعة في التواصل الاجتماعي وروابطه ومواقعه من خلال فضاء شبكات المعلومات تدوينا وتغريدا فأقول وبالله التوفيق: المتأمل في الكتاب والسنة، وفي التاريخ بشكل عام يعلم يقينا ما للشائعات من خطر عظيم، وأثر بليغ، فالشائعات تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، وكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وحطمت عظماء، وهدمت وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من علاقات وصداقات، وكم هزمت من جيوش، وأخرت من مسيرة، لخطرها وجدنا الدول تهتم بها، ويقرأ منها توقعاتهم للأحداث. وما واجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك، من أعظم الأحداث في تاريخه - عليه الصلاة والسلام - فلم يمكر بالمسلمين مكر أشد من تلك الواقعة، وهي مجرد فرية وإشاعة مختلقة بين التنزيل كذبها، لكنها لولا عناية الله كانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس، ولا تبقي على نفس مستقرة مطمئنة، ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهرا كاملا وهو يصطلي نار تلك الفرية، ويتعذب ضميره وتعصره الإشاعة الهوجاء، حتى نزل الوحي ليضع حدا لتلك المأساة الفظيعة. وليكون درسا تربويا رائعا لذلك المجتمع، ولكل مجتمع مسلم إلى قيام الساعة، وصدق الله: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم). وللإشاعة قدرة على تفتيت الصف الواحد والرأي الواحد، وتوزيعه وبعثرته، فالناس أمامها بين مصدق ومكذب، ومتردد ومتبلبل، فغدا بها المجتمع الواحد والفئة الواحدة فئات عديدة. وثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)، ويقول الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: (اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع)، وفي معركة أحد عندما أشاع الكفار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قتل، فت ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال؟ والذي ينبغي على المسلم عند سماعه مثل هذه الإشاعات والأخبار أن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم، وأن يطلب الدليل الخارجي البرهاني، وأن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، وأن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبدا، وعدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون، والمغتابون، وأصحاب القلوب المريضة، وعدم الرضى بذلك، كما هو منهج السلف رضوان الله عليهم. وفي هذا العصر نجد للشائعات دورا كبيرا، بل واستغلت ضد المسلمين استغلالا كبيرا، ومثل هذه الشائعات تحدث في الصف ثغرات تخل به، وأحيانا تكون ثغرات كبيرة يصعب سدها وخاصة إذا كانت الشائعات مصدرها من داخل الصف، من أناس جهلة، أو لهم هوى خفي، أو ظن مخطئ. وأما أعداء الإسلام فهم يستخدمون الشائعات ضد المسلمين وخاصة علماءهم وقادتهم ودعاتهم، وغالبا ما يستخدمون في شائعاتهم طريقين: الطريق الأولى: إنشاء وتلفيق الأكاذيب والاتهامات بالقادة وبالعلماء والدعاة لزعزعة الثقة بهم، والانصراف عنهم. الطريق الثانية: تصيد الأخطاء العلمية والعملية، ونشرها بين الناس، وإعطاؤها حجما كبيرا، فيزيدون شائعات مكذوبة على أمر صغير، كالشيطان الذي يلقي على الكاهن كلمة صحيحة، وتسعا وتسعين كذبة. دفع الفتنة وما هي وسائل دفع الفتنة عن المجتمعات وما الدور المناط بالشباب وأفراد المجتمع؟ الذي يظهر أننا بحاجة إلى مسألة استيعاب مفهوم الأمن الذي جاء في نصوص الوحيين، فبفهمه يتحقق أصل الدرء للفتنة من خلال معالم القرآن والسنة وأن يتبع ذلك تنظيم تعلن من خلاله الحقوق والواجبات نحو الدين والأوطان وولاة الأمور والمجتمعات. كما أن الإيمان يهدي المجتمعات من القلاقل، والفتن والأزمات، في أمور كثيرة، اضطربت فيها أنظمة الأمم، وتباينت فيها الآراء رغبة في وجود حل، والقضاء على مشكلة.