أكتب هذه السطور بقلمي البسيط معبرة عن مدى حزني لفراق والدي العزيز رحمه الله والتي فيها: أعترف بأني في هذه اللحظة قد أصبحت إنسانة أخرى، قد انهزت في داخلها في لحظات أشبه ما تكون بكابوس. أعترف أني قد نسيت البكاء فلم يعد البكاء هو طريقي في رثائك يا أبي لأنه طريق كل إنسان يرثي أي أب عادي.. عرفت الآن انك يا دنيا دنيئة وضيعة كما سميت، تحفك الملذات ونهايتك هي السكرات، أخذت منا كل غالٍ وأبقيت فينا حزن الليالي. أعترف بان شمسك يا دنيا قد انطفأت ونهايتك قد اقتربت وفرقاك قد انتظرت بعد رحيلك يا أبي. لقد كنت الأب فلا يوازيك في الحنان أب. وكنت الأخ فلا يعادلك في الإخوة أخ. وكنت الصديق والرفيق فلا أأتمن غيرك في الصداقة صديقاً. أعنت الغريب فكسبت حبه وصداقته. ووقفت مع القريب فنلت رضا الله ومودته. كنت للكبير عوناً ونصيراً وكنت للصغير قدوة وأباً رحوماً عطوفاً، أبي، أبي، أبي آه.... يا أبي !! أناديك وأنا أعلم بانك تحس بي في قلبك حتى وأنت في ملاذك الأخير مثلما أسمعك أنا دائماً رغم رحيلك. فأنا أسمع كلامك في كل لحظة وأتحسس همساتك في كل ثانية وأتذكر ابتساماتك وتعبيراتك وكأنها أمامي في كل دقيقة تقطر فيها دمعات من عينيّ. أبي أنت في قلبي، وفي عقلي، وفي جوارحي. أحبك أكثر من نفسي، وأحزن عليك حزناً قد فاق عقلي وأخطو خطواتك في كل جزء من جوارحي. يا من علمتني معنى الحياة ورسيتني على الأخلاق، وملأت حياتي بالعطف والحنان. أبي.. أعلم بأني لن أنسى تلك اللحظات التي انقلبت فيها موازين حياتي، رأساً على عقب، تلك اللحظات عندما سمعت خبر وفاتك عندها أحسست بان أطرافي قد شلت وكأنه قد توقف شعر رأسي في حالة من الذهول وكأن الأمر بات كابوساً، عندها تمنيت أن أحدا يصرخ ويقول ان هذا مجرد حلم، تلك اللحظات التي صرخنا فيها جميعا صرخة واحدة ودّعنا فيها أنبل وأغلى وأطيب وأطهر إنسان على وجه الأرض. في ذلك الوقت الذي قد نعت فيه الدنيا بأسرها فقيدها الذي فارقها ولم يفارقها، فقد فارقها بجسده ولم يفارقها بروحه، فأثره باقي في قلب كبيرها وصغيرها. أبي... أعلم بأنك تحس بي وأنت بعيد عني في قبرك فأنا يا أبي أتمنى الآن نظرة من عينيك، أو ابتسامة من شفتيك تروي ظمأ شوقي لك، وتعينني على إكمال دربي في الحياة. أبي.. نعدك بأننا سنسير على دربك طوال العمر تقديساً لذكراك وأننا كما علمتنا وربيتنا على طريق الصلاح والخير والصواب سوف نواصل بإذن الله. وستكون لنا الضوء الذي يضيء طريقنا ويعيننا على مصاعب الدنيا ما حيينا. وأخيراً.. أدعو الله القدير ان يتغمدك يا أبي بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته وأن يعيننا على فراقك ويلهمنا الصبر والسلوان. {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.