لا أعلم كيف أبدأ كتابتي هل أبدأها بالحزن على فقدان والدتي التي لم يمر على رحيلها سوى شهرين فقط، ولم يجف دمع عيني بعد، وها أنا مجدداً أودع والدي، الدمع يتجدد والقلب مازال يتألم فأصبح ينزف جراحاً وهو يودع أغلى الناس على قلبي، لا أعلم كيف أبدأ، هذا الحزن بالدعاء لوالدي أم بالذكريات الجميلة التي قضيتها تحت أنظاره، فقدت والدتي في آخر يوم في شعبان ليلة رمضان وها أنا أفقد والدي بعد شهرين على فراق والدتي، إنه عام الحزن والأسى افتقدت فيها منبع الحكمة، نبض قلبي ( والدي ) كان يتألم أمام عيني منذ فراق والدتي وهو لا يعلم أين سيستقر، كان كثير البكاء على فراقها, كان يتألم أمام عيني, لم يستطع الصمود أمام فقدانه، تألمنا معه كثيراً، ولكن لا حول لنا ولا قوة، كان بالأمس حين ودعت والدتي، كان الوالد البلسم المهدئ لنفوسنا ووجوده يطمئن قلوبنا, ولكن لم تطق نفسه البقاء دون والدتي, بدأ جسمه ينحل.. وبدأ التعب يزيد عليه، ولكن لم نتخيل أبدا أننا سنفقده هو الآخر بعد والدتي، وبهذا الوقت القصير بينهما، كل يوم، كل لحظة كل دقيقة أقبل يده وجبينه وأدعوا الله أن يحفظه لنا، فليس لنا سواه في هذه الدنيا.. كان يقضي وقته في قراءة القرآن ولم يغب عن باله ثانية واحدة. دخل المستشفى على أمل كبير بان يخرج منه قريباً، ولكنه خرج من منزله ولم يعد ثانية، رأيته يصارع أنفاسه الأخيرة أمام عيني وعلى ذلك الفراش الأبيض، وأصوات تلك الأجهزة تملأ الآذان، ولم استطع أن أفعل له شيئاً، ليتني أفديك بروحي يا والدي.. خطواتي تسابق دموعي بين دعائي لله واستدعائي للطبيب المناوب تلك الليلة، ولكن قدرة الله كانت أقوى، رأيته والروح تنتزع من جسده.. انتزعت روحه أمامي، ترك يدي بعد أن كان ممسكاً بها طيلة الوقت.. كانت يده بيدي وقت الرحيل، وانزل رأسه إلى الأسفل وترك يدي، وأغمض عينيه، حضنته وقبلته وودعته للأبد، ودعوت الله أن يسكنه فسيح جناته ودموعي لا تقف، ولا أنسى دموع أخي مساعد حين ذرفها أمامي.. لا أنسى وقفته الحنونة معي.. يحاول تهدئتي من هول ما رأيت، ولا أنسى مجيء أخي الأكبر عثمان وهو يذرف دمعته الهادئة.. يحاول التخفيف عني وهو يكتم حزنه بداخله، ولكني أراه في عينيه.. آه ثم آه كانت ليلة لا تنسى من بدايتها والحزن يخيم عليها من كل زاوية، أصبحنا جميعاً برحيلك في غاية الحزن، خيم الحزن على المنزل بكامله في كل أرجائه.. لا يوجد من ينظر إلي بحنان الأبوة غيرك حتى وان تجاوزت طفولتي .. أحسست بتلك الكلمة التي أنطقها كلما احتجت إليك، كم كنت أنطقها وأنا في غاية من الفرح والسرور.. أما الآن كلما نطقتها ذرفت الدموع من عيني حزناً على تلك السنين التي مرت وأنا في أحضانك يا والدي، كنت لا أعرف للحزن مكاناً في داخلي بوجودك.. أما الآن قد توسد الحزن حنايا قلبي، من كان يحمي قلبي من الألم وعيني من البكاء سواك أنت فقط يا أبي. ذكرياتك في الدنيا كثيرة، أراك في كل ركن من أركان المنزل، اشتقت أن أسمع منك اسمي وكلماتك المدللة لي، عشت حياتك كلها تعطي الأمل في الحياة لكل من حولك وترسم السعادة لنا جميعاً. كم هي الحياة قاسية من بعدك.. علمتني الصبر والاحتساب في هذه الحياة ولا يصبرنا على مر الأيام، إلا نصائحك الغالية، وكلامك الذي مازال يرن في آذاننا.. كيف أعيش اليوم وأفرح بالجديد.. كيف سأقبل يديك ليوم العيد.. كيف سأطفئ الشوق وأشواقي تزيد، أبي أنت جرحي الكبير من يوم ما فقدتك، لا أنسى ذلك اليوم المشئوم لم يفارق مخيلتي.. كنت تزودنا بالطاقة والقدرة على تخطي الصعاب، تجرعت ألم المرارة بفقدان والدي ووالدتي معاً سأظل أذرف الدمع عليهما إلى أن الحق بهما، جاءت لحظة الوداع دون إنذار، أبي ليس هناك من يحل محلك في قلبي وليس هناك من يقول لي كلمة (ابنتي ).. أبي ابنتك المدللة التي طالما رأيتها طفلة تتدلل عليك لن تنساك، رأيتك جثة هامدة لا أمل منها بالرجوع، وقفت صامدة لم أصدق انك رحلت وكأنه بالأمس، حيث كانت والدتي رحمها الله.. أنظر إليه لا أصدق عيني تجهشا بالبكاء وأريد أن أتكلم معه وأودعه، ولكن صوتي اختفى حزناً على ما أراه أمامي، قبلت يديه ورجليه وحضنته وهمست في أذنيه. أبي لن تغيب عن روحي لحظة واحدة، وتأكد أننا سنلتقي سوياً في جنات النعيم بإذن الله، قبلته وودعته للأبد وعيناي تدمعان لفراقه، أدعو الله الصبر والثبات، وأدرك تماماً أنه لن يقرأ ما كتبت ولن يرى ذلك، ولكنه حتماً سيحس بذلك من خلال دعائي الدائم له، افتقدت رموزاً كلها حكمة، افتقدت الحنان والحب والعطاء من أغلى أثنين على قلبي.. والدي ووالدتي رحمهما الله، اللهم بلغ والدي ووالدتي منا السلام وأجمعنا بهما في أعلى الجنان.