نعم افتقدتك وأشعر أن الدنيا قد فرغت من كل ما هو جميل، لم أعد أشعر بأي إحساس جميل، وليس هناك لذة لمأكل أو مشرب، ذهبت في لمحة بصر. أتدري يا فيصل؟ ليس وحدي من افتقدك، مكانك بالمجلس افتقدك، سجادتك تفتقدك، مصحفك يفتقدك، ورودك التي زرعتها بيدك وحففتها برعايتك. هذا وهو الجماد، فماذا نقول.. أنا، والداتك، أبناؤك، بناتك، أحفادك، أخوانك وأخواتك، وكل صديق وعزيز لديك. فيصل، يقولون إنك رحلت، لكني لا أستطيع استيعاب رحيلك.. أشعر أنك مسافر وستعود قريباً، وعندما تمر لحظات الشوق إليك، أشعر أن قلبي يتفطر ويرفرف كالطير الجريح، أحسه سينطلق من بين أضلعي ليسابق الريح، ليلحق بك. أكاد أحس بجوارحي كلها تتمزق لهفة عليك، كيف تذهب بهذه السرعة؟ كنا نخطط لغدٍ أفضل، عندما نشيخ وترجعنا الأيام كما بدأنا معاً اثنين فقط، أننا سنعمل وسنعمل وسنسافر و.. و.. و... لم يكن يخطر في بالي أنك مللت هذه الدنيا وفضلت جوار ربك الأعلى، تركتني ألملم جراحي، وآهاتي تسابق عبراتي، أتلفت يميناً وشمالاً، فلا أجد سوى طيفك يداعب خيالي، فيزيدني ذلك لوعة وهلعاً، كيف أستطيع العيش من دونك، وقد ارتبطنا معاً ونحن في عمر الزهور، ونشأنا معاً في ظل مملكتنا الصغيرة مع أطفالنا، حتى أصبحوا يانعين مستبشرين بمستقبل زاهر، ونحمد الله أن أصلحهم ووفقهم، أتراك بعد أن أكملت رسالتك أحببت جوار ربك؟ حيث كنت دائماً تسأله سبحانه حسن الخاتمة والثبات عند السؤال. كنت متلهفاً للقائه، وكنت أقول لك إن شاء الله أكون قبلك، تبتسم وتقول: اسم الله عليك. آه يا فيصل، ما أصعب فقدك، وما أقوى فراقك، أحاسيس تتلاطم بداخلي، تهز كياني، براكين تتفجر تكاد تغطي الكون بحممها، أكاد أذوب احتراقاً بلهيبها، أتعلم يا توأم روحي؟ أنت كنت حاضري ومستقبلي، كنت ملهمي ومرشدي، كنت كياني وجل مشاعري، كنت وكنت وكنت، لو استعنت بكل الكلمات والجمل لما استطعت وصف ذرة مما أشعر به، قتلني موتك يا فيصل، ألقاني من القمة لسفح الجبل، أحاول الوقوف لأشد أزر أبنائي وبناتي، لم أستطع، خارت قواي، ذهب الصدر الذي كنت استند عليه في ضعفي فيمدني بلمسة من يده الحنونة، وكلمة من كلامه العذب، بالثقة والقوة والطمأنينة بعد الله، كنت أنت النبع الذي أنهل منه إذا عطشت، فيرويني ببلسم الحياة وإكسيرها بمشيئة الله. أبا خالد، اشتقت لك، والله اشتقت لك، اشتقت لطلتك البهية، اشتقت لابتسامتك، اشتقت لكلامك العذب، لأشعارك، لمزحك، بكيت وبكاء القلب أشد ألماً، ثم لملت جراحي ونهضت وأخذت على نفسي عهداً، سأبذل ما في وسعي لأرد لك بعض ما قدمته، سأطرق باب الرحمن أن يجمعني بك في جنات الفردوس الأعلى، مع والدينا والمسلمين، وأن يرحمك ويعوضني خيراً في ذريتي، وأن يجعلهم خير خلف لخير سلف. استغفرك ربي وأتوب إليك، أعلم أنه لا مرد لقضاء الله وحكمه، ولكن قالها صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)، إنه رسول الله سيد البشر، فكيف بنا نحن؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها. زوجتك قماشة