رأي في قصيدة «لهيب الشوق» للشاعر غالب العظم

فأما اللهيب فهو حر النار وأما الشوق فهو نزوع النفس إلى الشيء وتعلقها به (كما في المعجم الوسيط) وكنت أتوقع معنى أكثر عاطفية للشوق ولكن:
وَمَا مِثْلُهُ إلاّ كَفَارغِ بُنْدُقٍ
خِليٍّ مَنَ الْمَعْنى وَلَكِنْ يُفرْقِعُ
والشوق مراتب فالمؤمن يشتاق إلى لقيا ربه وإلى الجنة وإلى الشهادة وإلى مكة والمدينة، والأب يشتاق لولده الغائب.
والمحبون في واد آخر يشتاقون للحبيب شوق الصحارى للمطر، ومحمد عبده يسأل الأشواق:
أَشْتَاقْ أَسْأَلْ عَنْكُم الأَشواقْ
لِفْرَاقْ ما غيّر عليّ لِفراقْ
وعبدالحليم حافظ الفنان الراحل يشدو:
على قد الشوق اللي فعيوني يا جميل سلّمْ
أنا يا ماعيوني عليك سألوني وياما بتأَّلمْ
والشوق.. الشوق غلّبني
الشوق كان حيدوِّبني
حبيبي الغالي من بعد الأشواق
بهديك كل سلامي وحنيني وغرامي
والبيت المشهور في الشوق والتورية لحافظ إبراهيم في أحمد شوقي:
يَقولُونَ إنَّ الشّوْقَ نارٌ وَلَوْعَةٌ
فمَا بَالُ شَوْقِي اليومَ أصْبحَ بارِدَا
والمعنى البعيد المقصود هو الشاعر أحمد شوقي.
***
والقصيدة من البحر الوافر (مفاعلتن مفاعلتن فعولن) وهي تصلح لأغراض الحماسة كما في معلقة عمرو بن كلثوم ومطلعها:
أَلا هُبِّي بَصَحْنِكِ فاصْبَحِينا
وَلا تُبْقِي خُمورَ الأَنْدَرِينا
وكذلك قصيدة بشر بن المعتمر الذي لاقى الأسد وقتله - وعلى فكرة - هي نموذج بالشكل لقصيدة الشاعر الأستاذ العظم.. ومطلعها:
أفَاطِمُ لَوْ شَهِدْتِ بِبطْنِ ظَبْيٍ
وَقَدْ لاقَى الهِزَبرُ أخَاكِ بِشْرَا
والأسد يتبهنس والحصان يتقاعس. (يتبهنس يتبختر في مشيته)
تَبهْنَسَ إذْ تَقَاعَسَ عنْهُ مُهْرِي
فَقُلْتُ لَهُ: تَعِسْتَ عُقِرْتَ مُهْرَا
أَنِلْ قَدَميّ ظهْرَ الأَرْضِ إنّي
رأَيْتُ الأرْضَ أثْبَتَ مِنكَ ظَهْرا
وأطْلَقْتُ المُهَندَ مِنْ يَمِيني
فَقَدّ لَهُ من الأَضلاعِ عَشرَا
فائدة: قال الشاعر: من الأضلاع عشراً ولم يقل عَشِرة على القاعدة بمخالفة العدد للمعدود وذلك أن القاعدة تطَّرد إذا كان المعدود بعد العدد مباشرة فإذا اختلف النسق جاز الوجهان.
وعلى ذلك فالبحر الوافر لا يصلح للغزل الرومانسي والحب العذري والشوق الملتاع كما في قصيدة شاعرنا.
وإلى أبيات القصيدة:
1- إِلَيْكِ أبثُّها أَكَلْمَى وَحَرّى
قَلستُ أطيقُ بَعدَ الْيَوْمِ صَبْرَا
والبثُّ النشر وإفشاء السر وأصبح الآن بثا إذاعيا وتلفازيا
وفضائيا وبالانترنت وما شئت من وسائل الاتصالات Communications وكان ابن زيدون قال لولادة:
مَتَى أَبُثُّكِ مَابي
يَارَاحَتي وعَذابي
مَتى يَنُوبُ لسَانِي
فِي قوِْله عَنْ كِتَابي
وأظنه مات وما بثها ذلك (ما به).
كَلْمى: جَرحى، وَعِيب على المتنبي قَوْلُه:
تَمُرُّ بِكَ الأَبْطال كلْمى حَزِينَةً
وَوَجْهُك وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
قالوا إن المقام ليس مقام ابتسام.
وأصل الكلْم: الجَرح، قالوا: «وجرح اللسان كَجُرحِ اليدِ» أي أن الكلام يجرح. شدت أم كلثوم:
بِيِجْرحْ قد مَا يِجْرَحْ
ويِعْطف تَاني ويْداوي.. (الحب كده)
فائدة في فقه اللغة:
يقول فقهاء اللغة إن مادة أي كلمة إذا قلَّبتَ حروفها بالأوضاع الستة تعطي نفس المعنى:
قالوا ان حروف (ك ل م) تدل على القوة هكذا:
ك ل م: كلم جَرَحَ والجرح يحتاج إلى قوة والكلام يجرح كما ذكرنا.
ك م ل: كمل والكمال فيه قوة عكس النقصان ففيه ضعف.
ل م ك: لمكَ الدقيق عجنه حتى اشتد وفيه قوة ليس كالدقيق.
ل ك م: ضرب بقبضة اليد وبديهي وجود القوة.
م ك ل: مكل: قالوا: بئر مَكول إذا قلّ ماؤها وتحتاج إلى قوة لاستخراج الماء.
م ل ك: ملك وهو تمام القوة.
مثال آخر:
ق و ل: هذه المادة تدل على الحركة والخفة والقول يحرك اللسان والفم.
ق ل و: يعني قلى وإذا قلوت (قليت) البُر أو البُّنَّ خف وتحرك في المقلاة.
و ق ل: أسرع، والوقْل: الوعل وهو سريع.
و ل ق: أسرع: «جاءت به عنس من الشام تَلقّ» (تسرع في سيرها).
ل و ق: أسرع والألوقة: الزبدة تسيل وتتحرك.
لَقَو: اللقوة ميل الفم الى جانب والعامة في فلسطين يقولون (إلْتَوَقَ نِيعُه) أي مال فمه.
ويكفي هذا وحَرَّى: مَحْروقة من الشوق. قال أبو الطيب:
واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّن قلْبُه شَِبمُ
وَمَنْ يِحِسْمي وَحَالي عِنْده عَدَمُ
والصبر أحسن وأجمل، قال الأخطل:
عَفَا وَاسِطٌ من آلِ رَضْوى فَنَبْتَلُ
فَمُجتَمعُ الُحرَّيْنِ فالصبرُ أجْمَلُ
والصبر أنواع: صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله، وصبر على الشّدائد، أما صبر المحبين - بعيد عنكم - فكما ترون - لا يطاق.
2- كَفَانِي أَنَّني قَدْ عِشْتُ يَوْماً
كَأنِّي عِشْتُ في الآلامِ دَهْرا
والأمور نسبية، شدت الراحلة أم كلثوم:
هُوّ صَحِيحْ إلْهَوَى غَلاّبْ
مَا اعْرفْشَ أنَا
والْهَجْرِ قَالُوا: مَرَارْ وعذَابْ
وِالْيُومْ بِسَنا (سنة)
أما يوم الشاعر فدهر. قالوا إن فتاة (صبيَّة) سألت ألبرت أينشتاين أن يشرح لها نظرية النسبية فقال لها: إذا جلست تنتظرين حبيبك فكيف يمر الوقت؟ قالت الثانية بشهر. قال فإذا جلستما معاً؟ قالت انعدم الزمن .قال: فهذه النسبيّة - كما قرأتُ- وعشتَ يوماً واحداً وبهذه السرعة انتشر الحب ولم تطق عنه صبرا وتريد بثه - حقاً عصر الفضائيات أسرع من السرعة.
3- أَبُثَّكِ لَوْعَتي وشَقَاءَ نَفْسِي
لَعَلِّي قَدْ كَشَفْتُ الآنَ سًرّا
وإذا كان الحب بكل هذه المعاناة من شوق ولهيب وشقاء ولوعة وحرمان - فبالناقص هالحب - الكره أخف - أو بلا حب وبلاهمّ -. ولعل بيت الجرجاني عن العلم يشابه ما الشاعر فيه من الحب.. قال:
أأشقى به غرساً وأجنيه حَنْظَلاً
إِذَنْ فاتِّباعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أحْزمَا
4- مُعَذِّبَتي.. فَدَتْكِ الرُّوحُ مِنِّي
فَإنّي قَدْ سُقِيتُ هَوَاكِ قَسْرَا
أما معذبتي فتذكرني بأَبي فراس:
مُعَذِّبَتِي بِالْوصْلِ والْموْتُ دُونَهُ
إذَا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَل القَطْرُ
وأما فدتك الروح مني (فأنا أقول لو كان الوالد أو الوالدة ما فدّيت أحداً منهما) قالت الفنانة سلوى عن حبيبها:
عَلَى بِيرِ الميّْ
لا قَانِي وْلاقِيْتُو
عَلَى بِيرِ الْمَيّْ
واحْسَنْ مِنِ الخَيّْ
واغْلَى مِنِ عْيُونِي
واحْسَنْ مِنِ الخَيّْ
قلت: ولا أحسن من (الخيّْ) أحد.
«وأما سقيتَ هواها قسراً» فإن كان حباً فاخْلُصْ منه حالاً وإن كان خِطبة فافسخها وإن كان زواجاً:
فَطَلِّقْها فَلَسْتَ لَهَا بكُفْءٍ
وإلا يَعْلُ مَفْرقَكَ الحُسَامُ
5- لَقَدْ سَدَّدْتِ مَنْ عَيْنَيْكِ سَهْماً
شَدِيدَ البَأسِ في قَلْبي اسْتَقَرَّا
قديمة جدا، وكم أتمنى أن أسمع ابداعاً لا تقليداً.. قال الشاعر:
وَيْلاهُ إِنْ نَظَرتْ وَإِنْ هِيَ أَعْرَضَتْ
وَقْعُ السِّهامِ وَنزْعُهُنَّ ألِيمُ
6- وَبَيْنَ تَعَثُّرِي وَنَزيِفِ جُرْحِي
رَمَيْتِ بِنَظْرَةٍ نَجْلاءَ أُخرى
نجلاء: متسعة. ما لحقنا نخلص من النظرة الأولى حتى جاءت الثانية. والنظرة قديمة قال الموشح القديم
يا اللي كَوِيتِ الفؤاد ارحمْ
أصل الغرام نظره
أسبابْ ضنايا العِينْ
أما تعثرك فاللبنانيون يقولون: يادِلِّي (ذلّي) يا تعتِيري (تعثري): غّنتْ الفنانة هدى حداد شقيقة المطربة الكبيرة فيروز (واسمها الحقيقي نهاد حداد:
يا شِلَّكْ ويا بِلَّكْ.. (أي كلام.. لا معنى)
يا تَعْتِيرَكْ يا دِلَّكْ
لَمَّنْ بَحُطِّ الشَّكِْلهْ
منين أصِيرِ اصحِّ لَّكْ
ولمّنْ: لما - عندما - والشكلة إضمامة زهور كان النساء في أوائل القرن العشرين يضعنها على رءوسهن (سقى الله)
منين أصير أصح لك - لن تطولني.
7- فَوَالَهَفِي عَلَى قَلْبٍ مُعَنَّى
وأَنْتِ بِحُبِّهِ - والله - أدْرَى
وأقول لك على الطريقة المصرية: (بس لو ما كنتش تحلف).
فإذا كانت تدري:
فإنْ كُنْتَ لا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ
وَإِنّ كُنْتَ تَدْرِي فالْمُصِيبةُ أَعْظَم
وإذا كانت بحبّه - والله - أدرى فما المطلوب منها؟
8- وهذا الْحُبُّ أَضْنَاني وأَلْقَى
بِصَدْرِي من لَهِيبِ الشَّوْقِ جَمْرا
ويا صاحبي بعد هذا الضنا والجمر واللهيب والشوق.. أُأْمر.. ماذا تريد؟
9- فرِفْقاً بالفؤادِ وَمَا يُعَانِي
فإنِّي والْفُؤَادُ لَدَيْكِ أَسْرَى
أولا: الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه - كما في الحديث الشريف.
ثانيا: إعراب رفقا مفعول مطلق لفعل محذوف أو مصدر نائب عن فعله.
ثالثا: فاني والفؤاد أسرى - الأحسن أسيران.
رابعا: وعلى طريقة «يا بخت من وفق بين اثنين بالحلال، ويا بخت من جمّع راسين على مخدّة بالحلال» فأنا مستعد أن أتوسط لك في الموضوع، أخبرني عن عنوان والدها أو وليّها ويكون خير، وهذا هو الطريق الصحيح للحب والنهاية السعيدة، حتى لا يكون ما لا تحمد عقباه.
10- جَفَوْتِ فَلَمْ أجِدْ عِنْدِي عَزَاءً
وَتِلْكَ مُصِيبَةٌ في الحُبِّ كُبْرى
أقول ادَعْك من الحب (وخرابيطه) كفاك الله شر المصائب وإن كان ولا بد فعليك بقوله تعالى:
{)وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
11- وَلَمّا ضَاقَت الأَيَّامُ مِنّي
نَذَرْتُ لِطَيْفِكِ المعْسُولِ نذرا
والأيام لا تضيق (اليوم 24 ساعة) لكن الصدور تضيق، فوسع صدرك بذكر الله قال تعالى: {أّلا بٌذٌكًرٌ اللهٌ تّطًمّئٌنٍَ القٍلٍوبٍ}
أما النذر فإنه لا يأتي بخير وإنما هو عطية البخيل، لكن الوفاء به في الطاعة واجب، في الحديث الشريف: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) } أما الطيف والخيال فقد نذرت لهما وأما المعسول (أنت يا عسل) فبالله عليك كيف بك إذا قابلتها لحماً ودماً. الله أعلم أنك ستقع من طولك. والطيف قديم في شعرنا العربي:
قُولي لِطَيْفكِ يَنْثَنِي
عَنْ مَضَجْعَي وَقْتَ المَنامْ
كيْ أَسْتريح وَتَنْطَفيْ
نَارٌ تَأجّجُ في العِظَامْ
مُضْنَىً تُقلِّبُهُ الأكُفُّ
عَلَى فِرَاشٍ مِنْ سَقامْ
أما أنّا فَكَما عَلِمْتِ
فَهَلْ لِوَصْلِكِ مِنْ دَوَامْ
وقد غنت هذه القصيدة الراحلة أم كلثوم في فيلم «دنانير».
كما شدت أيضا في أغنية «سهران لوحدي»:
سَهْرانْ لِوَحْدِي أَناجِي طِيْفَكِ السّارِي
سَابحْ فِوَجْدِي ودَمْعي عَ الْخدُودْ جَاري
وشدا الراحل عبدالوهاب في أغنية «من عَذِّبَك»:
يا طيفْ حبيبي اللي عشقْتُو
تَعَال شوف اللي جرى لي
يكفى العذاب اللي انا شفتو
ويكفى فرحةْ عزَّالي
ويكفى ليلي اللي سهرتو
مِنْ غير حبيبْ يرَثي لِحَالي
ليه العوازل حاسديني دول
حقُّهمْ يبكوا عليَّهْ
12- إلى الرَّحمنً أشكُو ضَعْف جِسْمي
فإني قدْ تَجَرَّعتُ الأمَرّا
أما الشكوى للرحمن فَنِعمَ، ولا بأس من عرض نفسك على طبيب فيعطيك بعض الفيتامينات والأدوية المقوية.. وإلا على رأي الراحل فهد بلان:
جَسَّ الطبيب لي نبضي
فقلت له يا سيدي فقلت له:
إن التألُّمَ في كبدي
فاترك يدي يا سِيْدِي فاترك يدي
أهل الهوى دائما وبداً
مكتوب عليهم قلة الراحهْ
شبه السفينة بلا قبطان
يلعب بها الموجْ سَبَّاحهْ
وقد حرف مؤلف الأغنية البيتين الأولين من البيت المشهور:
جَسَّ الطّبِيبُ يَدِي جَهْلاً فقلتُ لَهْ
إنَّ التأَلُّم في كَبِدِي فَخَلِّ يَدي
وبالمناسبة فأغلب أغاني فهد بلان القديمة من كلمات عمر حلبي وألحان عبدالفتاح سكر، ومنها الأغنية السابقة.
13- مُعذِّبَتي.. وَأَنْتِ الرُّوحُ مِنَّي
وَأَنْتِ أعَزُّ أهْلِ الأَرْضِ طُرَّا
ويا صاحبي أنت من عَذَّب نفسه بالتعلق بحبال الهواء، وأنت في واد وهي في واد، تجري وراء برقٍ خُلَّب، وسراب خادع، ليتك تريح وتستريح وإذا كانت أعز أهل الأرض طُرّا، وإذا قُسم الزواج فهل ستبقى هذه المعزّة، أم تقتلها الحياة الروتينية ومتطلباتها العسيرة؟
وإذا كانت - عندك - أعز أهل الأرض فهل أنت عندها كذلك؟ ما أظُنُّ وإلا ما كان هذا الشعر. وبمناسبة (أنتِ الروح مني):
نكتة: قالوا إن سيدة وابنتها أمام الحافلة - الأوتوبيس - تتعازمان تقول البنت: اطلعي يا ماما، فتقول السيدة: لأ اطلعي انتي بالأوَّل، بقول لك اطلعي ياماما فتقول الأم: لأ اطلعي إنتي بالأول يا روحي، وكان وراءهما راكب يريد أن يستقل الحافلة مثلهما فقال للأم: اطلعي انتي بالأول يا سيدتي وبعدين بتطلع روحك.
14- فأَنْتِ إذَا جَلَسْتِ مَلاكُ حَسْنٍ
وَأَنْتِ إذَا نَظَرْتِ سَحَرْتِ سِحْرَا
ومقابل الجلوس يكون الوقوف لا النظر، هل قرأت قصيدة دوقلة المنبجي في «دعد» صاحبته؟:
هَلْ بالطُّلُول لِسَائِلٍ رَدُّ
أمْ هَلْ لَهَا بتكَلُّمٍ عَهْدُ
لَهَفِي عَلَى دَعْدٍ وَمَا خُلِقَتْ
إلا لِطُولِ تَلْهُّفِي دَعْدُ
والشاهِد المطلوب: (شواهد).
ضِدَّان لَمَّا اسْتُجْمعا حَسُنَا
والضِّدُّ يُظْهر حُسنَه الضِّدُّ
(فالْوَجْه) مِثْلُ (الصُّبْحِ) (مُبْيَضُّ)
(والشَّعْرُ) مِثْلُ (اللَّيْل) (مسْوَدُّ)
ما شَانَها (طُولٌ) وَلا (قِصَرٌ)
(فَقِيامُهَا) (وَقُعُودُها) رَصْدُ
وسحر العينين أو العيون مشهور معروف.. شدت الصَّبُّوحة (الفنانة الكبيرة صباح):
من سحر عيونك ياه
من رمش جفونك ياه
نسيت ليالي
نَوِّلتها لي.. ياه
وشوقي يقول:
السِّحْرُ مِنْ سُود العُيونِ لَقِيتُهُ
والْبَابليُّ بِلَحْظهنَّ سُقيتُهُ
وشدت أم كلثوم من شعر شوقي أيضاً:
حَدِيثُها السِّحْرُ إلا أنَّهُ نغمٌ
جَرتْ عَلَى فَمِ دَاوُدٍ فغَنَّاهَا
والسحر (بمعناه الحقيقي) حرام «وحدُّ الساحر ضربُه (أو ضربةٌ) بسيف»، وفي الحديث الشريف أيضاً: «اقتلوا كل ساحر وساحرة».
وحَلُّ السّحر يكون بقراءة القرآن الكريم والحديث الشريف والأدعية المشروعة أما حَلُّه بسحر مثله فحرام.
وهناك السحر الحلال وهو الكلام الفصيح والقول البليغ وفي الحديث الشريف: «إن من البيان لسحراً».
أما سحر العيون فأحيل الشاعر إلى قوله تعالى: {)قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) }
15- وَأَنْتِ إذَا نَظَمْتِ بَهاء شِعْرٍ
وَأَنْتِ إذَا نَطَقْتِ نَطَقْتِ دُرَّا
وإذا كنت شاعراً وكانت هي شاعرةَ ونطقتَ (أنتَ) لؤلؤاً ونطقَتْ هي درّاً فنحتاج إلى جوهري يترجم كلامكما. قال أبو الطيب من قصيدته المشهورة في عتاب سيف الدولة التي مطلعها: واحر قلباه (مرت سابقا):
هذا عِتَابُكَ إلا أنَّهُ مِقَةٌ
قَدْ ضُمِّنَ الدُّرَّ إلا أَنَّه كَلِمُ
16- فَكيْف يكُون هذا الحُبُّ سَيْفاً
رُوَيْدك قدْ شَطَرْتِ القَلْبَ شَطْرا
وكنت أعتب على الأخطل الصغير (بشارة الخوري) في قصيدة «أضنيتني» التي شدا بها الراحل فريد الأطرش ومطلعها:
أضْنَيتَني بالْهَجر مَا أظْلمَكْ
فَارْحَمُ عسى الرَّحْمَنُ أنْ يَرْحَمكْ
كنت أعتب وآخذ عليه قوله:
لوْ مرَّ سَيْفٌ بَيْننا لمْ نكُنْ
نَعْرِفُ: هَلْ أجْرَى دَمِي أمْ دمَكْ
فما تمنى كناية عن الوصال والقرب الشديد إلا بمرور سيف، كشاعرنا الأستاذ العظم شطر قلبه شطرين ويحوَّل إلى مستشفى القوات المسلحة للدكتور محمد الفقيه لإجراء عملية القلب المفتوح بأسرع ما يمكن.
شَطَرَ: يتندر من لا ثقافة لهم بالمجمع اللغوي بالقاهرة ويسخرون منه لأنه (المجمع اللغوي) سمّى (السندوتش) «شاطر ومشطور وبينهما كامخ» كما قالوا والحقيقة أن هذه نكتة أطلقها المرحوم على الجارم - من علماء النحو والصرف واللغة العربية المعاصرين، وعضو مجمع اللغة، وإلا فالمجمع اللغوي سمّى السندوتش «شطِيرة» على وزن «فطيرة» ويا ليتنا نستعمل هذه اللفظة «اللذيذة» ونستمتع بتناولها.. سمعت هذه الرواية بلسان المرحوم زكي المهندس عضو مجمع اللغة العربية ووالد الفنان فؤاد المهندس والاذاعية صفية المهندس في مقابلة إذاعية.
17- لَقَدْ أثْخَنْتِ في قَلِْبي جِراحاً
وعِثْتِ بِمُهْجتي صَدَّاً وهَجْرَا
لقد أثخنتِ.. قال الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) } وعذراً يا صاحبي فحبكما من انتاج) مَقْصَب ومجزرة).
18- فإنْ يُكنِ اللِّسانُ أتَى بِوزْرٍ
فَمَنْ لم يَأْتِ وَيْحَ القَلْبِ وِزْرَا
ومن فمك ندينك، وإذا عرف السبب بطل العجب، (واللي على راسه بطحة بيحسس عليها).. ما الوزر الذي قاله لسانك وأدى إلى هذه القطيعة؟
قلنا آنفا: «وجرح اللسان كجرح اليد».
وقال أبوبكر رضي الله وقد أمسك بلسانه «هذا أوردني المهالك» وقال رسول الله صلى عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه «وهل يَكُبُّ الناس على وجوههم - أو قال - على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟».
وقالوا: رُبّ كلمة قالت لصاحبها دعني وفي الأثر «إن من الصمت لحكمة». وكفى.
19- وإنْ لَمْ يكْفِ مِنْ قَلْبي اعْتِذَاري
فإِنِّي أَسْتَمِيحُ الحُبَّ عُذْرَا
وأنا لي رأي آخر: الاعتذار (ببلاش) ما يفيد والرأي أنك تشتري أغلى هدِيَّة وتدخل على أبيها وجدها وأمها وجدتها وتقبل رؤوسهم فلعل وعسى، وإلا فكما قلناها: «ألف اعتذار لا تصحح غلطة» وبعد ذلك فلعل الزمن يُنَسِّي.
20- هَبِيني من هَواكِ شذاً فإنِّي
وَهَبْتُك قَلْبيَ المَجْروحَ مَهْرَا
اسمع يا سيد، دعك من الهوى والشذا والقلب المجروح، وسلّم مهراً «خمسون ألفاً» وشبكة «خمسون ألفاً» وهدايا الأب والأم والخال والعم وبعد ذلك يكون خير.
21- لَعلَّك تَرْأَفِينَ غداً بِحَالِي
جَزَاكِ اللهُ عن عَيْنَيَّ أَجْرا
والأجر الأخروي مطلوب لكن (والله لو أنا محلها ما قَبِلْتُكَ لو تعطيني مليون) على الشكا والبكا والصياح والنواح والضعف والخور. قم (خلّك رجّال) يضْربِ الحب واسنينه، ويضرب الحب شو بزلّ (يزل).
أما بعد فقصيدة شاعرنا الأستاذ غالب العظم كلاسيكية الشكل رومانسية المضمون عذرية الهوى يريد أن يرجعنا إلى عذرية العصر الأموي (الهذليين)، كان المحب (زمان) إذا رأى بنان (أصبع) حبيبته (طاح) مغمى عليه، يا أخي الدنيا تغيرت.