فيما تجري وقائع العمليات العسكرية على الأرض تدور معركة من نوع آخر أشد من طلقات الرصاص والمدافع وهي معركة الإعلام والحرب النفسية بين الطرفين المتحاربين، حيث تنطلق قاذفات الميديا بموازاة قاذفات الصواريخ والقنابل تلك المعركة التي وصفها خبراء الإعلام بأنها اشبه بفيلم هوليودي الصنعة، حيث تتوه الحقائق وتغيب المعلومات الدقيقة لحساب الصورة الجذابة. ومع دخول الحرب في العراق مراحل أكثر خطورة وحسما دخلت معها الحرب الإعلامية والنفسية بين الإعلام الامريكي والبريطاني وبين الإعلام العراقي أطوارا اخرى في اللعب على اوتار النفوس والروح المعنوية للجنود من الطرفين التي بدأ ينتابها اليأس، حيث ظهر الرئيس العراقي صدام حسين على شاشة التليفزيون العراقي الذي أذاع لقطات لصدام وهو يتجول في الشارع لأول مرة منذ سنوات ويلتقي ببعض تجمعات الشعب العراقي ردا على مقولات الإعلام الامريكي التي كانت وما زالت تستهدفه منذ بداية الحرب وأشاعت مقتله في الضربة الاولى، ثم عادت واشاعت اصابته فقط، وتبيَّن انه لم يصب بشيء، ولفت المراقبون إلى ان ظهور الرئيس العراقي ساهم في رفع الروح المعنوية للمقاومة العراقية من جهة وأبطل مزاعم الإعلام الامريكي وفشله في الحرب الإعلامية والنفسية الدائرة من جهة أخرى. ويؤكد خبراء الإعلام أن حرب الصورة باتت جزءا لا يتجزأ من العمليات العسكرية وسلاحاً مهماً في الحرب وقد اجاد الإعلام العراقي حتى الآن استخدامها وان ظهور الرئيس العراقي بهذه الصورة رغم كونها لا تعبر عن حقيقة العلاقة بينه وبين الشعب بالكامل إلا انه اجاد استخدامها في بث الروح المعنوية للمقاومة حيث إن المعركة الآن هي معركة وطن يجري احتلاله. فشل الإعلام الامريكي يقول د. مختار التهامي عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الاسبق ان هذه الحرب مختلفة عن الحروب السابقة التي خاضتها واشنطن باعتمادها على الإعلام بشكل كبير وذلك للتأثير على معنويات الجيش العراقي ودفعه إلى الاستسلام وعدم المقاومة، في نفس الوقت تحرص القيادة العراقية على متابعة الاخبار الأمريكية لتفنيدها سريعا. والحرب الإعلامية بدأت قبل الحرب العسكرية على الاراضي العراقية ومنذ بداية الحرب تذاع أخبار وتصريحات تم يثبت عكسها أو يقوم الجانب العراقي باثبات عكسها وتفنيدها وتضاربت المعلومات بين جهازي إعلام الدولتين، وامثلة ذلك كثيرة بداية من المعلومات حول هروب بعض القادة العراقيين ثم ظهورهم على الشاشة لنفي تلك المعلومات، وآخرها كان ظهور الرئيس العراقي على شاشة التليفزيون. وعلى الرغم من محاولات واشنطن الزعم بإنسانية الحرب إلا ان الصور التي تم بثها ونشرها عن وحشية الضرب الأمريكي البريطاني واستهداف المدنيين والمنشآت المدنية تثبت عكس ذلك ويسيطر هذا التضارب باستمرار حتى اصبح المشاهد أو المتابع في حيرة من مصداقية المعلومات، فكل جهة تعمل على إثبات ما تردده بالصوت والصورة ولم تعد الحقيقية واضحة وذهبت ادراج الرياح فلم يعد أحد يعرف الحقيقة حتى مراسلو الصحف ووسائل الإعلام المختلفه في العراق بعيدون عن ارض المعركة الحقيقية ويصعب عليهم التأكد من جميع المعلومات. فالحرب الإعلامية الدائرة حاليا اكدت أن العالم تحول إلى شبه قرية صغيرة نتيجة للقدرة الفائقة لتكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال، فقد اصبح الإعلام جزءا موازيا للعمليات العسكرية في المعارك الحربية الجارية في العراق، بل أصبح يستخدم اداة لتفادي معارك أو رفع المعنويات وبث روح الصمود في القتال. وترى الدكتورة جيهان رشتي العميد الاسبق لكلية الاعلام جامعة القاهرة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تمارس نوعا من التضليل الاعلامي ودعاية فجة وتكذيب على الرأي العام الامريكي ورغم هذه الصفات للإعلام الامريكي إلا ان الرأي العام أصبح الآن يدرك انه كاذب وقد اثبتت الاحداث فشل الإعلام الامريكي في الحرب ليس لكون هناك حرب اعلامية اخرى مضادة سواء في العراق أو في غيرها من الدول ولكن لأن الرأي العام كشف حقيقة هذا الإعلام الامريكي المضلل ويرفض سياسته ومن سمات الإعلام الامريكي انه يقوم دوما على قلب الحقائق واللعب بالمعلومات ويدعو دوما الشعوب إلى التخلص من حكامها فيما تقوم أمريكا بإبادة هذه الشعوب كما يحدث حاليا في العراق حيث يتم قصف المدنيين. والاعلام الامريكي لم يستطع إيجاد رأي عام مؤيد بشكل كامل له لأنه ببساطة يقوم على المغالطات والكذب وهو يعد من أشكال العبث الامريكي ويكيل دائما بمكيالين مثل السياسة الأمريكية التي تكيل بمكياليين والوسيلة الدعائية التي تكيل بمكيالين سينصرف عنها الرأي العام وسرعان ما يثبت فشلها في نقل الحقائق مهما كانت مؤثرة لأن المشاهد يجد نفسه في تناقض غريب، ففي الوقت الذي تعرض فيه أجهزة الإعلام الأمريكية دعايتها تبعا لأمزجة الادارة الأمريكية فاننا نجدها في المقابل تمارس سياسة عدوانية تتسم بالهيمنة ضد الدول العربية والاسلامية، فالعبرة في الاحداث التي تقع على الاراضي والذي يراها المتابع ومن هنا فان زمن التعبئة الإعلامية قد ولَّى على الرغم من أن الإعلام الامريكي يسعى إلى احيائها ليتوجه إلى العرب والشعب العراقي وهو ما يسمى بغطرسة القوة المتسلطة والمهيمنة التي تحاول الادارة الأمريكية فرضها. سلاح مهم ويرى الدكتور ماهر قابيل استاذ التحليل السياسي أن الإعلام يستخدم كسلاح مهم بجانب التكنولوجيا العسكرية وتستخدمه أمريكا في حروبها حيث تمهد بحملة اعلامية كبيرة في اطار الحرب النفسية للضغط على الشعب العراقي وتأليبه على النظام وقد صورت أمريكا حملتها على العراق بأنها حملة تهدف في الاساس لانقاذ الشعب العراقي من بطش النظام وتحريره وتحسين أوضاعه كما استهدفت الحملة الجنود العراقيين وأفراد الحرس الجمهوري لإحداث انقلاب في صفوف الجيش العراقي ضد النظام واستخدمت في ذلك جميع اساليب الحرب الإعلامية والاغراء بالمال وحاولت منع اذاعة بيانات أو نشرات عراقية يمكن ان تؤثِّر على سير العمليات العسكرية أو تظهر أي خسائر في صفوف القوات الأمريكية وتبعد الانظار عن حوادث وقوع مدنيين حتى لا يؤثر ذلك على الرأي العام العالمي ولكن ثبت فشل كل ذلك.