الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد: فهذه رسالة محبة وإشفاق، أكتبها إليك -أختي المسلمة- في كل مكان، آملاً ان توليها عنايتك ورعايتك، وأن يظهر صداها عليك عملاً وسلوكاً. وأمرك أن تراعي الوقار في حركاتك وسكناتك ومشيتك وكلامك {وّلا يّضًرٌبًنّ بٌأّرًجٍلٌهٌنَّ لٌيٍعًلّمّ مّا يٍخًفٌينّ مٌن زٌينّتٌهٌنَّ (31)} *النور*. {فّلا تّخًضّعًنّ بٌالًقّوًلٌ فّيّطًمّعّ الّذٌي فٌي قّلًبٌهٌ مّرّضِ وّقٍلًنّ قّوًلاْ مَّعًروفْا (32)} *الأحزاب* وأمرك -كذلك- باجتناب ما يلفت انتباه الرجل إليك، ويغريه بك {وّلا تّبّرَّجًنّ تّبّرٍَجّ الجّاهٌلٌيَّةٌ الأٍولّى" (33)} *الأحزاب*. فيا أختي المسلمة، يا من شرَّفك الله بالانتماء إلى أعظم أمة، الأمة التي جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، اعلمي ان أعداء الإسلام ما برحوا يجلبون عليك بخيلهم ورجلهم، ويريدون استنزالك من عليائك السامقة إلى الحضيض الدون، لا يريدون أن تبقي جوهرة مكنونة، ودرة مصونة، ولكنهم يريدون أن تكوني ألعوبة في أيديهم يحققون من خلالك أهدافهم الشهوانية، ومطامعهم المادية، فلا تخدعنَّك الإغراءات المثيرة ولا الدعايات الكاذبة. لا تكوني ألعوبة سهلة في أيديهم، وكوني في مستوى التحدي. واعلمي ان شرفك وعفتك هي أغلى ما تملكين في هذه الحياة، فحذار.. فحذار.. أن تفقديها بين غفلة وانتباهة فتندمي، ولات حين مندم. كوني على حذر من أولئك الذين يصوِّرون الدين على أنه عقبة في طريق التجديد والابتكار، ويصوِّرون العفاف والتقوى قيودا للحرية والانطلاق، ويصوِّرون الحجاب على أنه حجب للعقل والفكر. ولم يعلموا أي جناية اجترحوها في حقك وفي حق الدين الذي تتشرفين بالانتماء إليه. إن الإسلام براء من هذه التهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب. أما ما يعيشه المسلمون من تراجع حضاري، فليس دليلاً على تمسكهم بدينهم، بل دليل على ابتعادهم عنه، ولكن أعداء الإسلام، الذين ينظرون إلينا بعين الحاقد، لا ينظرون إلى الإسلام في مصادره الأصلية، وإنما ينظرون إلى الإسلام في سلوك أتباعه وتصرفاتهم. وهذا يخالف الإنصاف والموضوعية بلا شك. إن حجاب المرأة هو حريتها وكرامتها من أن تكون أمة يتاجر بعفتها وكرامتها في سوق النخاسة العالمي، والرقيق الأبيض باسم الحرية الزائفة. ولكي تتضح الصورة، وتزول الشبهة، أضرب لك -أختي- مثلاً نسائياً ينقض دعواهم الآثمة، وافتراءاتهم الكاذبة، ويؤكد على أن الحجاب لم يكن يوما من الأيام عائقا أو حاجباً للعقل والفكر، فهذه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها - شاركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السلم والحرب، مجاهدة في سبيل الله، ومثلاً أعلى في الوقار ومكارم الأخلاق، وكانت ذات عقلية علمية موسوعية فذة، روت مئات الأحاديث، ودرس عليها عشرات الرجال والنساء الكثير من أبواب العلم، وكانت على دراية كاملة بالشعر والتاريخ والأدب وغيرها. أختي الفاضلة: إن للحجاب الشرعي شروطاً عديدة ذكرها العلماء رحمهم الله تعالى أهمها: أن يكون ساتراً للجسد كله، وألا يكون زينة في نفسه، ولا ضيقاً يصف الجسد، ولا مماثلاً للباس الرجال، وألا يكون لباس شهرة، فاحرصي وفَّقك الله على تطبيق هذه الشروط، واحذري صور التبرج التي نراها في كل مكان، من ملابس ضيقة ومفتوحة وقصيرة وشفافة، واعلمي ان الجري وراء الموضات والصرعات والصيحات -كما يقولون- دليل على ضعف الشخصية، وفقدان الهوية، وهذا ما نربأ بك - أختي المسلمة- عنه، فأنت مربية الأجيال، وصانعة العز والمجد والفخار، أنت من عناه شاعر النيل الكبير: حافظ إبراهيم بقوله: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق فاهتفي، ورددي مع عائشة التيمورية قولها: بيد العفاف أصون عزَّ حجابي وبعصمتي أعلو على أترابي وبفكرة وقّادة وقريحة نقَّادة قد كملت آدابي ما ضرني أدبي وحسن تعلُّمي إلا بكوني زهرة الألباب ما عاقني خجلي عن العليا ولا سدل الخمار بلمتي ونقابي واعلمي -أختي الفاضلة- أن الحجاب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتزكية نفس المسلمة التي ترتديه، ظاهراً وباطناً، فتحرص على تطهير باطنها بخشية الله تعالى ومراقبته، وفي الوقت ذاته تطهر ظاهرها بامتثال أوامر الله، ويجب ألا تغيب هذه الحقيقة عنك أختي المسلمة وأنت ترتدين الحجاب. ختاماً أقول: حجابك تسعدي.. تسعدي بطاعة ربك ومولاك، وتفوزي برضاه في الدنيا والآخرة، وتحمدي عند الله وعند الناس، وترتقي في سلم الفضيلة.. والله يحفظك ويرعاك..