إذا اتفقنا أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه "عمرانا محليا مفتوح النهاية" تقدمه بعض المشروعات التي "تجاوزت الصندوق" وقدمت مفاهيم جديدة للمكان، فيمكن القول إن الرياض يمكن أن تقدم تجربة عمرانية جدلية وربما ستسحب وراءها مدنًا سعودية ومدن دول مجاورة.. هل التلازم بين صناعة الأمكنة المستقلة وبين تطور الأفكار المعمارية الجديدة شكل ضرورة بالنسبة لمدينة الرياض؟ فقد كانت المدينة في طور خلق هويتها الحديثة، ومثلت الأمكنة المستقلة عن النسيج العمراني العام تجارب خاصة لإنضاج الأفكار المعمارية الجديدة. في اعتقادنا أنها كانت تجارب فريدة، خصوص تلك التي تطورت من السبعينيات وحتى نهاية القرن الماضي، ومثل التلازم حالات خاصة ترابط فيها العمران بالعمارة على مستوى المدينة الحديثة، أحد الظواهر التي نستطيع أن نربطها بآلية تشكل الصورة الذهنية العمرانية في مدينة الرياض هي أن النسيج العمراني العام للمدينة لم يستطع أن يولّد توجهات معمارية يعتد بها إلا في الأماكن المستقلة مثل حي السفارات وبعض الأمكنة الأخرى، وغالبا ما ارتبط الخطاب المعماري بالمكان الآخر المستقل الذي شكل على الدوام المختبر المعماري والعمراني الذي تم فيه إنضاج الأفكار المعمارية التي ميزت الرياض، توجه هذه النتيجة سؤالا مباشر للنشاط المعماري المحلي وللممارسة المعمارية المحلية التي يبدو أنه لم تستطع أن تشكل تحولات فكرية مستقلة عن النشاط المعماري الحكومي وشبه الحكومي، وبمستوى أقل بعض المشروعات التي قدمها القطاع الخاص. هل استمر هذا التلازم بين العمارة والعمران "المؤمكن" في القرن الحالي، أم أن مدينة الرياض بدأت تطوّر اتجاهات عمرانية ومعمارية متوازية؟ وهل يمكن أن نقول إن بدايات العمارة المحلية مفتوحة النهاية تشكلت من خلال تجارب مكانية مشابهة لما حدث في الرياض في المربع والملز وحي السفارات ومنطقة قصر الحكم ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي؟ هذا السؤال يُشكّل مفصلا مهما لفهم العلاقة بين العمارة، كخطاب فكري، وبين العمران الجديد في الربع الأول من الألفية الثالثة في مدينة الرياض، كما أن التساؤل حول ارتباط أي خطاب معماري يتطور في مدينة الرياض بالتجارب المعمارية الحكومية وليست المشروعات الخاصة يظل قائما ويثير الجدل حول مستقبل ممارسة العمارة في السعودية ومدى قدرتها على تقديم تجارب محلية خارج التجارب المعمارية الحكومية. يمكن القول إن علاقة المكان بالعمارة المحلية مفتوحة النهاية غير واضحة بشكل كافٍ في رياض القرن الواحد وعشرين، ويبدو أن المشروعات الكبيرة التي كانت تقدم عمارة منسجمة مع بعضها البعض وتعمل في نفس الوقت على تأكيد اتجاه فكري محدد لم تعد موجودة في التجارب المعمارية الجديدة، خصوصا مع هيمنة عمارة النجوم التي جعلت من المباني الأيقونية الفردية هدفا مهما إذ أنه من الصعوبة بمكان أن نستطيع أن نرى مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية ضمن تجمع عمراني يرتبط به، حتى محطة المترو في مركز الملك عبدالله المالي تبدو مستقلة ومنفردة عن الكتلة العمرانية للمركز، فالمحطة تقع على طرف التجمع ولا ترتبط به معماريا بل مكانيا، ومع ذلك لا نستطيع أن نقول إنه حدث طلاق بين العمارة وبين المكان، لكن يجب أن نشير هنا إلى أن عمارة النجوم لا تميل إلى الارتباط بالنسيج الحضري فهي عمارة "نحتية استعراضية" وعندما تكون منفردة ومستقلة عما حولها تصبح في أحسن حالاتها. السؤال هو إلى أي مدى هذا الانفصال بين عمارة النجوم والمحيط الحضري يؤثر على خطاب المحلية مفتوحة النهاية؟ وإلى أي درجة هذا الخطاب الفكري ممكن أن يتطور ضمن النسيج العمراني العام للمدينة ويصبح "أسلوبا في التفكير" وليس مجرد "أسلوبا للتشكيل"؟ الإجابة عن هذين السؤالين يقتضي الاستمرار في تشخيص حالة العمارة والعمران في مدينة الرياض في السنوات الأخيرة، وربما إثارة بعض التساؤلات حول المآلات التي ستؤول إليها المبادرات المعمارية والعمرانية التي أطلقتها الدولة في السنوات الأخيرة. ولأن هذا الخطاب في طور التشكل وقد يتجه للنضج في السنوات القادمة، لذلك يمكن وضع بعض الطروحات الافتراضية النظرية التي ترصد الحركة العمرانية والمعمارية في مدينة الرياض بتأنٍ شديد وحذر في نفس الوقت. يجب أن ننبه، كذلك، إلى إن انفصال عمارة النجوم عن محيطها الحضري هو تعبير عن توق هذه العمارة للظهور بمظهر العمل الفني الذي يفترض أن تتم رؤيته بزاوية 360 درجة. هذه العمارة، في الواقع تصنع محيطها الحضري الخاص بها الذي يجعل من يشاهدها يتحرك حولها، فهي تحتاج إلى فضاء مفتوح يسمح بالحركة حولها لأن تكوينها البصري يتغير مع الحركة، وهي تعتمد، في جاذبيتها، على الشكل المتغير أو المتحرك مع حركة الناس حولها. فإذا ما عرفنا أن بعض عمارة الرياض الأكثر معاصرة تنتمي إلى هذه العمارة التي تعتمد على حركة الناس حولها، سوف يزيد هذا من دراستنا لخصائص المحلية مفتوحة النهاية التي عملت على توظيف كل هذه الميزات التي تتميز بها عمارة النجوم لتخلق عمارة ذات أشكال متحررة ابتداءً. لكن مع تحررها، هي عمارة ذات أشكال تتغير مع الحركة حولها، وبعضها ذو واجهات خماسية أي أن سطوحها العليا جزء من المنظومة البصرية المتحركة لهذه العمارة. وهذا يعني أن هناك توجه متزايد للفصل بين العمارة والنسج العمراني المكاني بحيث يتحول المكان ساحة للمشاهدة وليس للتفاعل. يمكن أن نلفت الانتباه كذلك إلى أن العمران المحلي مفتوح النهاية ليس بالضرورة أن يتكون من المباني الإيقونية المُستقلّة، فهناك أمثلة، مثل مركز الملك عبدالله المالي و"فيا رياض" يمكن فهمها على أنهما "بؤر مؤمكنة" مفتوحة النهاية تقدم تفسيرات جديدة للمكان المحلي تختلف عن نسق التفكير العمراني التقليدي. نسق الأفكار التي تشير إليه الأمكنة المحلية مفتوحة النهاية تعزز المحيط المكاني، على مستوى التنظيم الفراغي وعلى مستوى التشكيل البصري. هذه النتيجة لا تزال مبكرة لكن يمكن التعويل عليها لفهم وتحليل عمارة وعمران الرياض في العقدين الأخيرين، وإذا ما اتفقنا أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه "عمرانا محليا مفتوح النهاية" تقدمه بعض المشروعات التي "تجاوزت الصندوق" وقدمت مفاهيم جديدة للمكان، يمكن إذا أن نقول إن الرياض يمكن أن تقدم تجربة عمرانية جدلية وربما ستسحب وراءها المدن السعودية الأخرى ومدن الدول المجاورة.