حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«... ويرزقه من حيث لا يحتسب»
تجار: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عالم التجارة يؤك
نشر في الجزيرة يوم 13 - 12 - 2002

هناك سؤال يتبادر للأذهان ويلح على الإجابة: هل رجال أعمالنا وسادة الاقتصاد عندنا يصلح أن يكونوا محتسبين؟ ولماذا لايكونوا محتسبين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر؟!
إن هذا السؤال يبرز حينما نعلم بأن هناك خلطاً عند بعض الناس فيقول أحدهم مثلاً في مجلس من المجالس، هذه الأعمال لا تصلح لأهل الخير والصلاح (كالعقارات) مثلاً وإذا قلت له لماذا؟ قال لك لأنك لا تستطيع أن تصدق فيها، ويبرز آخر ليقول بأن تجارة السيارات والبيع والشراء فيها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخالطه صدق ووضوح وأمانة؟!
إذا ومن هذا المنطلق وجهنا هذه التساؤلات لبعض رجال الأعمال وبعض المختصين وعلمائنا الأفاضل عن هذه المشكلة وماهو أثر تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأعمال التجارية ودور التجار ورجال الأعمال في إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك فكانت هذه الإجابات والايضاحات:
في البداية تحدث فضيلة الشيخ د.صالح بن فوزان الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء موضحاً: أننا في زمان طغى فيه طلب المال وحب الدنيا، فصرف ذلك كثيراً من الناس عن الآخرة حتى أضاعوا الواجبات، وارتكبوا المحرمات، وجهلوا أمر دينهم، وصارت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم، لها يسعون، ومن أجلها يتعادون ويتقاطعون، {أّلًهّاكٍمٍ التَّكّاثٍرٍ (1) حّتَّى" زٍرًتٍمٍ المّقّابٌرّ (2) كّلاَّ سّوًفّ تّعًلّمٍونّ (3) ثٍمَّ كّلاَّ سّوًفّ تّعًلّمٍونّ (4) كّلاَّ لّوً تّعًلّمٍونّ عٌلًمّ الًيّقٌينٌ (5) لّتّرّوٍنَّ الجّحٌيمّ (6) ثٍمَّ لّتّرّوٍنَّهّا عّيًنّ اليّقٌينٌ (7) ثٍمَّ لّتٍسًأّلٍنَّ يّوًمّئٌذُ عّنٌ النَّعٌيمٌ (8)}. مشيراً فيه إلى أن طلب الرزق والسعي لتحصيل المال أمر محمود ومأمور به شرعاً إذا روعيت فيه الضوابط الشرعية، وأقيم على الموازين المرعية بأن يكون من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة، وقد وسع الله لعباده أبواب الرزق المباح، ونهاهم عن الأبواب المحرمة قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا لا تّأًكٍلٍوا أّمًوّالّكٍم بّيًنّكٍم بٌالًبّاطٌلٌ إلاَّ أّن تّكٍونّ تٌجّارّةْ عّن تّرّاضُ مٌَنكٍمً}، وأكل المال بالباطل يشمل كل المكاسب المحرمة، كالربا والسرقة والرشوة والغش في البيع والغبن الفاحش والغضب، ونقص المكاييل والموازين ومن ذلك نقص أكياس الأطعمة والسكر، وصناديق الشاي والخضار، بحيث يبيعها على أنها وافية وعلى شد بلادها، وهو قد أخذ منها ونقصها نقصاً لايشعر به المشتري لأنه قد وثق به، ومن ذلك يذكر فضيلته رفع القيمة على المشتري الذي لايعرف أثمان السلع، ومنها النجش المحرم وهو أن يسوم السلعة وهو لايريد شراءها وإنما يريد إغلاءها على المشتري وقد يكون شريكا للبائع، ومن ذلك التغريب بالجالب بحيث يتفق أهل السوق وأهل الصنف على أن يسوم السلعة المطلوبة واحد منهم ولا يزيدون عليه حتى يبيعها صاحبها برخص يكونون شركاء فيها، ومن ذلك التغرير بالجهات الحكومية والشركات وأصحاب الأعمال عندما ترسل تلك الجهات مندوباً لتأمين بعض المشتريات فيتفق ذلك المندوب مع بعض أصحاب المحلات التجارية على أن يشتري منه بسعر ويكتب في البيان سعراً أكثر منه ويوقع معه صاحب المحل ليأخذ المندوب الزيادة، وقد يشاركه فيها صاحب المحل، فيكون قد أخذ مالاً حراماً، أو باع دينه بدنيا غيره. مؤكداً الشيخ الفوزان بأن كل هذا من أكل أموال الناس بالباطل فهو داخل في هذا النهي الرباني {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا لا تّأًكٍلٍوا أّمًوّالّكٍم بّيًنّكٍم بٌالًبّاطٌلٌ}، ومن خالف هذا النهي فأخذ مالاً بطريق باطل فقد عصى الله، وعرض نفسه للعقوبة العاجلة والآجلة، كما يؤكد فضيلته أيضاً بأنه لا يجوز للمسلم أن يشتغل بطلب المال عن أداء ما أوجب الله عليه في وقته المحدد كالصلوات الخمس والجمعة قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا لا تٍلًهٌكٍمً أّمًوّالٍكٍمً وّلا أّوًلادٍكٍمً عّن ذٌكًرٌ اللهٌ وّمّن يّفًعّلً ذّلٌكّ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الخّاسٌرٍونّ} وقال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا إذّا نٍودٌيّ لٌلصَّلاةٌ مٌن يّوًمٌالجٍمٍعّةٌ فّاسًعّوًا إلّى" ذٌكًرٌ اللهٌ وّذّرٍوا البّيًعّ ذّلٌكٍمً خّيًرِ لَّكٍمً إن كٍنتٍمً تّعًلّمٍونّ، فّإذّا قٍضٌيّتٌ الصَّلاةٍ فّانتّشٌرٍوا فٌي الأّرًضٌ وّابًتّغٍوا مٌن فّضًلٌ اللهٌ وّاذًكٍرٍوا الله كّثٌيرْا لَّعّلَّكٍمً تٍفًلٌحٍونّ، وّإذّا رّأّوًا تٌجّارّةْ أّوً لّهًوْا انفّضٍَوا إلّيًهّا وّتّرّكٍوكّ قّائٌمْا قٍلً مّا عٌندّ اللّهٌ خّيًرِ مٌَنّ اللَّهًوٌ وّمٌنّ التٌَجّارّةٌ وّاللَّهٍ خّيًرٍ الرّازٌقٌينّ}. وقد أثنى الله على الذين يقبلون على الصلوات في أوقاتها ولا يشتغلون عنها بتجارة ولا بيع ووعدهم بجزيل الثواب، قال تعالى: {فٌي بٍيٍوتُ أّذٌنّ اللهٍ أّن تٍرًفّعّ وّيٍذًكّرّ فٌيهّا اسًمٍهٍ يٍسّبٌَحٍ لّهٍ فٌيهّا بٌالًغٍدٍوٌَ وّالآصّالٌ، رٌجّالِ لاَّ تٍلًهٌيهٌمً تٌجّارّةِ وّلا بّيًعِ عّن ذٌكًرٌ اللهٌ وّإقّامٌ الصّلاةٌ وّإيتّاءٌ الزّكّاةٌ يّخّافٍونّ يّوًمْا تّتّقّلَّبٍ فٌيهٌ القٍلٍوبٍ وّالأّبًصّارٍ، لٌيّجًزٌيّهٍمٍ اللهٍ أّحًسّنّ مّا عّمٌلٍوا وّيّزٌيدّهٍم مٌَن فّضًلٌهٌ وّاللَّهٍ يّرًزٍقٍ مّن يّشّاءٍ بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}. فهذه نداءات إلهية وتوجيهات ربانية لأهل الإيمان ليجمعوا بين الحسنيين، طلب الرزق في أوقاته وأداء العبادة في أوقاتها لينالوا سعادة الدنيا والآخرة، وتهديد ووعيد لمن أخل بهذا النظام، وصرف كل وقته في طلب الحطام، وترك ما أوجب الله عليه {وّلّمً يٍرٌدً إلاَّ الحّيّاةّ الدٍنًيّا}. وستفوته الدنيا والآخرة ويكون من الخاسرين.
أسباب البركة
بعد ذلك يتحدث الاستاذ خالد بن عبدالرحمن الجريسي الرئيس التنفيذي لمؤسسة بيت الرياض عن أهمية تمسك رجال الأعمال والتجار بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعض الشبه التي قد ترد على بعض مؤكداً في البداية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن أساسي من أركان الدعوة الإسلامية، وشرط من شروط خيرية أمة الإسلام لقوله تعالى: {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ}. وهو الوظيفة التي بعث الله عليها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصفه الله بقوله: {الذٌينّ يّتَّبٌعٍونّ الرَّسٍولّ النَّبٌيَّ الأٍمٌَيَّ پَالذي يّجٌدٍونّهٍ مّكًتٍوبْا عٌندّهٍمً فٌي التَّوًرّاةٌ وّالإنجٌيلٌ يّأًمٍرٍهٍم بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّاهٍمً عّنٌ المٍنكّرٌ} . وهو أيضاً من صفات المؤمنين الصالحين كما قال تعالى في وصفهم: {پتَّائٌبٍونّ العّابٌدٍونّ الحّامٌدٍونّ السَّائٌحٍونّ الرَّاكٌعٍونّ السَّاجٌدٍونّ الآمٌرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّالنَّاهٍونّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّالًحّافٌظٍونّ لٌحٍدٍودٌ اللهٌ وّبّشٌَرٌ المٍؤًمٌنٌينّ}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). مشيراً الجريسي بأن علماء الإسلام قرروا وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق كل مسلم، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها)، ويقول العالم الجهبذ ابن حزم مقرراً إجماع الأمة على وجوبه: (اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم). مشيراً بأن رجل الأعمال المسلم جزء لايتجزأ عن هذه الأمة، يجب عليه ما يجب على بقية أفرادها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قطاع رجال الأعمال ذو جوانب متعددة ودروب شتى، وصاحب المنشأة التجارية يمكنه أن يقوم بهذا الواجب بين منسوبي منشأته دون أن يعيق ذلك عن القيام بمهام عمله والرقي به، وتحقيق الحصة المأمولة في السوق؛ بل إن التزام المنشأة التجارية بالصدق قولاً وعملاً وهو جانب من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهو من أسباب اشتهارها وعلو مكانتها بين العملاء، كما أن ترسم رجل الأعمال سبيل الحق والإنصاف بين العاملين لديه نوع آخر من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكذلك فإن حث العاملين على إتقان العمل، والحرص على جودة المنتج أو الخدمة، والبعد عن الحيلة والغش، هو في حد ذاته أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. مؤكداً الجريسي كذلك أننا إذا أخذنا الأمور بمعيار المكسب والخسارة فإن أمر العاملين بالصلاة وحثهم عليها من أسباب البركة في الرزق، كما أن انشغالهم بالعمل عن الصلاة هو من أسباب محق البركة والعياذ بالله، إذاً لاخير ولا بركة في عمل يشغل عن الصلاة. ويضيف الأستاذ خالد بقوله: فإن علمنا ذلك وآمنا به فإننا لن نجد أي عائق يعيقنا عن القيام بمهام أعمالنا التجارية والسعي لتطويرها مع القيام بواجبنا الدعوي من أمر بمعروف ونهي عن منكر في محيطنا العملي، وسيتضح لنا جلياً ان كل مايذكره المثبطون، وما يسوقونه من شبه وشبهات، وما يروجون له من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعيق عملية التقدم، وفيه حرج لرب العمل مع الجمهور، هو محض هراء يغطون به عجزهم، ويبررون به تقاعسهم عن أداء ما أوجبه الله عليهم من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مختتماً الجريسي حديثه بقوله: وإنني أنصح نفسي وأنصح كل رب عمل من المسلمين أن يتقي الله في نفسه أولاً ثم فيمن هم تحت يده من الموظفين والعاملين، وأن لايألو جهدا قدر الاستطاعة ان يفعل النشاط الدعوي داخل منشأته التجارية من خلال تحقيقه للقدوة الحسنة للعاملين فيها حتى لا نكون كبني إسرائيل الذين لعنهم الله مبيناً سبب لعنه إياهم بقوله: {كّانٍوا لا يّتّنّاهّوًنّ عّن مٍَنكّرُ فّعّلٍوهٍ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّفًعّلٍونّ}.
إنتاج الخبائث
بعد ذلك يدلف سعادة د.أحمد بن صالح العثيم رئيس مجلس إدارة مجموعة العثيم التجارية مشيراً إلى أنه بالنسبة لتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأعمال التجارية، فإنه يشمل مجالات عديدة، منها اختيار السلع والخدمات وفقاً للمنهج الإسلامي، فالإنتاج يجب أن يكون تبعاً للأولويات الإسلامية وهي الضروريات اللازمة لبقاء الإنسان كالغذاء والكساء وكل ما تقوم به وتعتمد عليه حياة الناس، وهذا يوجب على رجال الأعمال استخدام ما لديهم من إمكانيات موارد في إنتاج الطيبات وعدم إنتاج الخبائث، وإعطاء الأولويات للمشروعات الخاصة التي تحقق المقاصد الشرعية، فلا يجوز توجيه الموارد في إنتاج مايعرض هذه المقاصد للهلاك والضرر مثل إنتاج الخمور، أو أسلحة الدمار الشامل، أو إنشاء مؤسسات قد تساعد على الفساد والرذيلة. مشيراً سعادته إلى أن من المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله التعامل بالربا، وأما كسب المال بطريق الحلال فإنه يزيد بركته، ويحفظه من الهلاك، وينمي المشروعات الطيبة، وقد أحل الله المعاملات التجارية من بيع وشراء لأن فيها النماء الحقيقي للمال، أما المعاملات الربوية فإن فيها خراب الديار ومحق البركة. ويستطرد العثيم في الحديث مشيراً إلى أن من النتائج الإيجابية التي يلمسها المجتمع والتاجر المسلم من تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأعمال التجارية إحساس العامل بذاتيته وكرامته وشعوره بالأمن والأمان، كما أن دعوته للقيم الأخلاقية في العمل والسلوك يجعل من عمله عبادة وتتسم تصرفاته بالصدق والسماحة وتزداد عنده دوافع الرقابة الذاتية، وينعم بعلاقات طيبة مع رئيسه وزملائه ومرؤوسيه، وهذا يؤدي إلى المشاركة الفعّالة وزيادة الإنتاجية والتنمية الشاملة وبالتالي ينعم المجتمع بنتائج إيجابية ملموسة. مضيفاً العثيم إلى أنه يمكن أيضاً لرجال الأعمال أن يسهموا في تطبيق قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق حسن التعامل مع التجار العالميين، ويكون ذلك بالالتزام والصدق في المعاملات وأيضاً بالاتفاقيات والعهود، حيث إن الوفاء بها من الالتزام بالأمر بالمعروف، فالعامل المشترك في جميع هذه المعاملات هو الأساس الأخلاقي وبالذات في التعاملات الأجنبية لأنها الوسيلة الرئيسة لإظهار التعاملات التجارية الإسلامية بالوجهة الصحيحة. مؤكداً أيضاً بأن التعامل على أساس هذه الشعيرة وخاصة مع العالم الخارجي يساهم في زيادة ثقة التجار العالميين بالمنتج الوطني من جهة ويؤدي إلى مزيد من الرخاء للمجتمع والتاجر المسلم من جهة أخرى.
البديل الأفضل
ويستطرد د.أحمد بقوله: وفيما يتعلق بالنظرة الدولية إلى المعاملات الربوية كإحدى طرق التمويل فقد فكرت اليابان ملياً مؤخراً في إلغاء الفائدة أو ما يعرف بالفائدة الصفرية لتحقيق التوازن في اقتصادها، واعتبر صندوق النقد الدولي المشاركة بين المقرض والمقترض كوسيلة تمويلية بديلة ناجحة، هذا عدا العديد من الاقتصاديين الغربيين المعاصرين الذين يرون أن الاعتماد على سعر الفائدة لتحقيق التوازن الاقتصادي الكلي هو المسؤول عن عدم التوازن في اقتصادهم ويبحثون عن البدائل، ولعل طرح الطرق الإسلامية كبديل أفضل للتمويل ولتوازن الاقتصاد قد يجد آذاناً صاغية في أيامنا هذه في جميع أنحاء العالم. مشيراً سعادته إلى أنه تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الجوانب الإيجابية في السياسات الاقتصادية الإسلامية أهمها الزكاة كفريضة إسلامية وركن من أركان الدين الإسلامي، وبالتالي يجب أن تكون من الأساسيات التي تقع في إطار الأمر بالمعروف حيث إن من أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين، ولم نكن في حاجة نحن المسلمون إلى أن يعترف البنك الدولي مؤخراً بأن الزكاة من وسائل توزيع الدخل بعد أن ثبت بما لايدع مجالاً للشك بأن أغلب الضرائب التي كانوا يعتمدون عليها في هذا الجانب قد وجدت في الغالب لتعيد توزيع الدخل من الفقراء للأغنياء بدلاً من العكس! بينما الزكاة هي من الأغنياء إلى الفقراء ولا تضل طريقها أبداً، كما أن الوقف سنة حسنة وكلما ازدادت الأوقاف في المجتمع أمكن تخفيف حدة الفقر فيه، وهي أيضاً أداة توزيعية لا تضل طريقها، وهذا هو شأن كل الأدوات والآليات الإسلامية التوزيعية، وكما أشرنا فإن الحث عليها جميعاً جزء من الأمر بالمعروف، والحض على منعها جزء من النهي عن المنكر، فعلى رجال الأعمال عدم إهمال هذا الجانب لأن الالتزام به يفيدهم في دنياهم كما في آخرتهم، فالمجتمع الذي يتحسن فيه توزيع الدخل تقل فيه الجريمة ويسوده الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وكلها عوامل تنموية مهمة لا تقتصر فوائدها على شريحة من المجتمع بل جميع أفراده.
اقتراح للغرفة التجارية
فضيلة د.خالد بن سعد المقرن عضو هيئة التدريس بقسم الاقتصاد بكلية الشريعة أكد على موضوع مهم وهو نجاح التجار المسلمين في نشر الإسلام حيث قال: لقد نجح التجار المسلمون في نشر الإسلام في أماكن متفرقة من العالم اعتماداً على تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة أمام الآخرين مما جعلهم مؤثرين بدرجة كبيرة على اتجاه مجتمعات غير مسلمة للدخول في الدين الإسلامي، مؤكداً بأن التاجر المسلم عندما يسعى إلى تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نشاطه التجاري فإن ذلك يكسبه رضا الله وتوفيقه له في الدنيا بتوسعة الرزق له إذا كانت نيته خالصة لله كما قال تعالى: {وّمّن يّتَّقٌ اللهّ يّجًعّل لَّهٍ مّخًرّجْا وّيّرًزٍقًهٍ مٌنً حّيًثٍ لا يّحًتّسٌبٍ}. فإذا امتنع صاحب متجر على سبيل المثال عن بيع السجائر في متجره تطبيقاً لهذه الشعيرة فإنه بذلك سيلقى احترام الجميع حتى من المدخنين أنفسهم لأنه امتنع عن كسب مادي من أجل الالتزام بعقيدته في تحريم بيع السلع الضارة والخبيثة أولاً، ثم المحافظة على أموال المجتمع وصحة أفراده. كما أن التزام التاجر المسلم بهذه الشعيرة تجاه من يتعامل معهم من أفراد وعمال مؤسسته يجعله قدوة صالحة يحتذي به أولئك الأفراد خاصة في ظل ما يعانيه المجتمع من قلة القدوة الصالحة. ولذلك فإن تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل رجال الأعمال في سلوكياتهم مع الآخرين ستحقق لهم هدفين أساسيين: أولاً رضا الله سبحانه وتعالى ومغفرته، وثانياً سعة الرزق في الدنيا. مضيفاً فضيلته بقوله: ولهذا فإنني اقترح أن تقوم الغرفة التجارية بالرياض بإقامة ندوة حول هذه القضية الهامة يتم التأكيد فيها على أهمية قيام رجال الأعمال بمسؤولياتهم في ذلك والتي ستعود عليهم بالعديد من المنافع الدنيوية والأخروية التي يسهو كثير من رجال الأعمال تضمينها في أهدافهم الرئيسة من نشاطهم الاقتصادي.
ولنا وقفة
أخي القارئ وفي ختام هذا الموضوع المهم يجدر بنا أن ننبه إلى أن هذا الموضوع لا يمكن حصره في هذا التحقيق لما له من عناصر كثيرة ومتشعبة تحتاج إلى بسط ومناقشة، ولكن أحببنا من خلال هذا التحقيق أن نشير إلى هذه النقطة المهمة وهذه الشبهة والتي رد عليها المشاركون الأفاضل بشيء من التفصيل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.