خلق الإنسان من ضعف، وهو في هذه الدنيا ممتحن يغضب ويرضى ويحزن ويفرح ويمرض ويصح .. لذا وطن العقلاء نفوسهم على الصبر والتحمل والأناة والتحلم.. أما غيرهم فيسخط ويسب ويبلغ به الغضب إلى حد الجنون فيغضب بغير حق ويقذف ويلعن وربما كسر عظماً أو هدم أسرة وحل وثاق الزوجية .. ذلكم ما يفعله الغضب بأصحابه حينما يستسلمون له ويعتادون عليه. الغضب جماع الشر لأنه من الشيطان فهو يشل تفكير المرء ويلغي مروءته ويحرك في نفسه نوازع الشر والعدوان ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوصني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب فردد مراراً فقال لا تغضب» .. رواه البخاري. فتأمل رحمك الله كيف كرر هذا السائل على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال يلتمس أنفع مما أوصاه به وأبلغ فلم يزد على قوله لا تغضب .. لأن في هذا سعادة الدنيا والآخرة فالغضب يؤدي إلى التقاطع وحرمان الرفق، ويفتح أبواب الآثام والفتن فكم جر من المآسي على الأفراد والمجتمعات، وكم صار سبباً في تفرق الإخوة والإخوان والأولاد والأزواج، ويكفي انه جمرة تتوقد في قلب الإنسان فيزيدها اشتعالا الشيطان فيكون من نتائج ذلك الأذى والعدوان وإطلاق اللسان والقرارات الجائرة والمبادرات الظالمة التي يعقبها الحسرة والألم. الشجاعة والقوة ليست بقوة البدن فحسب بل هي بقوة النفس وكظم الغيظ.. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.. ان الموفق إلى الخير هو الذي يفكر في العواقب عند ثوران الغضب ويتذكر ما وعد الله به الكاظمين لغيظهم من أجر وثواب .. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن معاذ بن أنس الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء.. وفي المسند من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله عز وجل.. وجاء رجل إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال أوصني قال: لا تغضب فقال الرجل: امرتني أن لا أغضب وانه ليغشاني ما لا أملك قال: فإن غضبت فأملك لسانك ويدك.