بقلوب ملؤها الآسى ومشاعر ينهشها ويعتصرها ألم الفراق وصدى الرحيل ودعت قرية جدرة بمنطقة الباحة أحد رجالاتها الأوفياء والمخلصين وأحد المربين الفضلاء والذي ترعرع على يديه كثير من أبناء المنطقة لعلي لا أكون مبالغا إذا قلت أن المنطقة بأسرها فقدت هذا الرجل الفذ والمعلم النادر والمربي الفاضل ذلكم هو الشيخ محمد بن سفر الغامدي المعلم بالمعهد العلمي بالباحة سابقا رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته، والذي عاجله الأجل مساء يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان 1423ه بعد معاناة من المرض بمستشفى الملك فهد بالحرس الوطني بالرياض أسأل الله بمنه وكرمه ان يشمله بمغفرته وأن ينزل شآبيب الرحمة على قبره. لقد عرفت هذا الرجل منذ ما يقارب عشرة أعوام فكان نعم الرجل ونعم المربي، عرفته صاحب علم وعمل لطيف المعشر محبا للخير، دمث الأخلاق ذا تواضع جم؛ نال محبة الناس واحترامهم له نظير ما قدمه لهم من محبة مماثلة وخدمات جليلة في مجالات متعددة، لعل من أبرزها التعليم. فأهالي الباحة يكنون لهذا الرجل الفضل الكبير بعد الله في نشر التعليم في المنطقة والذي بذل فيه جل وقته وأفنى فيه حياته وشبابه، فكان نبأ وفاته وأثره على محبيه كالصاعقة، ووفاة علم بارز كأبي أحمد أمر ليس بالهين، لقد سخر وقته وجهده وطاقاته وامكاناته المادية لنشر التعليم وبكل تضحية ووفاء فتحقق له الحلم وأصبح يحدث من حوله دائما عن واقع التعليم في البلاد قبل فترة وعن وضعه الآن، وطوال حياته التعليمية وما بعدها كان يفخر بأبناء المنطقة وهم في مجالات أعمالهم فمنهم الطبيب ومنهم المهندس ومنهم المعلم فارتاح ضميره وانشرح صدره، ولقد كان أبا نادراً في طريقة تعامله مع أبنائه حتى أنهم تقمسوا من شخصيته ونهجوا منهجه في حب العلم والتعليم وبذل الجهد في طلبه وكان يرى من نفسه أنه واحد منهم وأخ لهم ولقد زرع فيهم خصالا حميدة، وزهورا فواحة من صور الخير والعطاء والوفاء والتلاحم ولعل ذلك يظهر واضحا وجليا فالتفافهم حول والدهم يمثل إحدى صور المحبة والتلاحم والاحترام ولقد كانت مشاعرهم مثلما هي مشاعر محبيه وأقاربه وأصدقائه مشاعر الأسى والحزن لفراقه أبا أحمد ولكن لا نملك إلا ان نقول أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار، ولنحتسب ولنصبر فهذا مصير كل حي. ورغم الصعوبة التي واجهتها وأنا اكتب هذا المقال لأن من يريد أن يرثي شخصاً عزيزاً عليه خاصة وقت الصدمة والتي يكون فيها اللسان عاجزا عن تسجيل المشاعر والعبارات تتجمد في المحاجر والقلم يبدو عليه الارتجاف والتي تؤثر بدورها على ما يكنه الشخص من مشاعر ومآثر لفقيده إلا أنني قررت الكتابة مهما وقفت الكلمات ومهما سقطت العبرات فأبو أحمد يستحق منا الكثير وذكر محاسنه والدعاء له بالرحمة واجب ديني وعزائي في أبنائه هو ما تركه فيهم من الخصال الحميدة، مدركا أنهم باذن الله على خطاه سائرون داعيا إياهم الى الصبر واحتساب الأجر على الله، مذكرا إياهم بقول المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم (إن القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون). ولا نقول إلا ما يرضي الرب {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. ختاماً أدعو الله القدير بكرمه ومنه وفضله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يحشره مع الأخيار والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. والحمد لله على قضائه وقدره.