عمد رئيس حزب العدالة والتنمية الاسلامي التوجه إلى طمأنة الأتراك والغرب على حد سواء بعد الفوز الساحق للاسلاميين في الانتخابات التركية يوم «الأحد» إلى أنه ليس السياسي المتشدد كما صوره البعض. فقد قال رجب طيب أردوغان للصحفيين في استنبول قبل توجهه مباشرة إلى أنقرة: «سنحترم حقوق وحريات جميع مواطنينا». وأكد أردوغان أن حزبه: «مستعد لتحسين عمل الهيئات الدستورية، والتعجيل بدخول تركيا الاتحاد الاوروبي والحسم في تنفيذ البرنامج الاقتصادي الذي سيعزز التكامل الاقتصادي لتركيا مع سائر دول العالم». وتشير النتائج غير الرسمية بعد فرز جميع بطاقات التصويت تقريبا إلى تقدم حزب العدالة والتنمية بحصوله على نسبة 1 ،34 في المائة ويليه حزب الشعب الجمهوري من يسار الوسط الذي حصل على 2 ،19 في المائة من الأصوات، وبدا على الأرجح أن الاحزاب الأخرى، بما فيها الأحزاب الثلاثة المؤتلفة في حكومة ائتلاف رئيس الوزراء بولنت أجاويد فشلت حتى في تجاوز عقبة العشرة في المائة من أصوات الناخبين واللازمة كشرط أساسي لدخول البرلمان. وتعني هذه النتائج حصول حزب العدالة والتنمية على 362 مقعدا في البرلمان الذي يضم 550 مقعدا، وهي أغلبية مريحة للحكم ولكنها لا تصل إلى نسبة الثلثين المطلوبة لتغيير الدستور. وقال أردوغان للصحفيين في استنبول، متحدثا بكياسة عن انتصاره، إن حزبه يؤيد الاتحاد الاوروبي والتكامل الاقتصادي العالمي ويحترم كافة أنماط الحياة. وأضاف أردوغان: «بإذن الله، سيتم فتح صفحة بيضاء جديدة في تاريخ تركيا»، في إشارة إلى اسم مختصر لحزبه والذي يعني الأبيض أو النظيف باللغة التركية. وعند مقر حزب العدالة في أنقرة تجمع جمهور من المؤيدين للحزب وأخذوا يصيحون «طيب رئيسا للوزراء»، وذلك عند وصوله من استنبول. وأوضح اردوغان لمؤيديه في أنقرة أمس «الاثنين»: «إن عبء المسئولية الذي يقع على عاتقنا ثقيل، لن نضيع وقتنا منتشين بالنصر». وتدل نتائج الانتخابات على تغيير ذي مغزى في السياسة التركية، فالضحية الكبرى هو أجاويد على ما يبدو. وقد شاهد زعيم الحزب اليساري الديمقراطي الطاعن في السن والواهن الصحة انهيار حزبه. وقال أجاويد مساء «الأحد« «لقد انتحرنا بخوض انتخابات مبكرة». ومن الواضح أنه كان يلوم شركاءه في الائتلاف لانهم ضغطوا من أجل إجراء انتخابات قبل موعدها بعامين. وأوضح أنه قلق على تركيا من أداء حزب العدالة. وقال أيضا: «إن حزب العدالة لم يقدم أفكاراً واضحة عما سيفعله إذا تولى الحكم. آمل فحسب أن يعمل وهو يضع نصب عينيه ضرورات الحكم المدني الديمقراطي». والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا يتعلق بالشخص الذي يرجح أن يتولى منصب رئيس الوزراء الجديد في تركيا. و كان اردوجان تم منعه قبل بضعة أسابيع فقط من موعد الانتخابات من خوض الانتخابات بسبب إدانته في عام 1998 بتهمة التحريض على الفتنة الدينية ولم يفصح عمن سيوافق هو على ترشيحه لشغل منصب رئيس الوزراء. وواجهت هذه المسألة تعقيدا آخر عندما أكد الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر أنه هو الذي سيقرر، وليس اردوغان، من سيطلب منه تشكيل حكومة. ورغم جذوره الاسلامية، فإن مسئولي حزب العدالة يكابدون مشقة هائلة للنأي بأنفسهم عن الهوية الاسلامية. وعوضا عن ذلك، عمد إردوغان «48 عاماًَ» إلى تصوير حزبه وكأنه حزب موال للغرب والاتحاد الاوروبي وداعم ومؤيد للنظام العلماني في تركيا، إلا أن هذا التصوير فشل في إقناع الكثيرين في المؤسسة التركية التي تخشى أن يكون ذلك مجرد واجهة. وكانت المحاولات في اللحظة الأخيرة من جانب الادعاء التركي لاقصاء إردوغان بصورة قانونية عن رئاسة الحزب قد فشلت، ولكن حزب العدالة لا يزال يواجه محاولة أخيرة وحاسمة في المحكمة الدستورية. ومن المؤكد تقريبا أن حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل يسار الوسط سيكون هو الحزب المعارض الوحيد في البرلمان. ويعتبر هذا الحزب الذي فشل في تجاوز عقبة نسبة العشرة في المائة لدخول البرلمان في انتخابات 1999، قد نجح يوم «الأحد» في النجاة من غضبة الناخبين الاتراك العارمة على الاحزاب الحاكمة بسبب الركود الاقتصاد الكبير الذي تئن منه تركيا حاليا. وكانت أزمة مصرفية في شباط فبراير من العام الماضي قد شهدت تقلص مدخرات المواطنين الأتراك إلى النصف تقريبا في الوقت الذي انخفضت فيه قيمة العملة التركية وهي الليرة وأصبح فيه أكثر من مليوني تركي بدون عمل. وبينما من المرجح أن تأتي حكومة مشكلة من حزب واحد بالاستقرار الذي طال انتظاره إلى الساحة السياسية التركية، فإن الأسواق ربما تحبذ أن يتولى حكم البلاد حكومة ائتلافية من حزبي العدالة والشعب الجمهوري، وذلك بسبب وجود مسئول تركي سابق بالبنك الدولي في عضوية حزب الشعب هو كمال درويش