دفعت حالة الانقسام التي تعيشها الحركة اليسارية في تركيا العديد من قادة التيار اليساري ومفكريه الى التحذير من خطورة الوضع الذي آلت إليه احزاب اليسار والاضطراب التي تعيشه مؤسساتهم منذ انطلاق موجة الاستقالات داخل حزب (اليسار الديمقراطي) الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد. ووسط محاولات قادة اليسار التركي لجمع شمل الحركة اليسارية فهم لايخفون قلقهم من تصاعد نجم حزب (العدالة والتنمية) الإسلامي الذي يتزعمه رجب طيب اردوغان ويعتقدون ان ازمة اليسار الحالية والخلافات بين قادته ستعزز حظوظ التيار الإسلامي التركي في الفوز بالمركز الأول في الانتخابات المقبلة المقرر اجراؤها في الثالث من نوفمبر المقبل. ويعتقد المراقبون ان اسباب هذه الازمة داخل اليسار التركي تعود بالدرجة الاولى الى اصرار بولند اجاويد على التمسك بمنصبه في رئاسة الحكومة الائتلافية رغم فقدانها الأغلبية في مجلس الامة التركي بالاضافة الى تفاقم الخلافات بين قادة الائتلاف الحاكم في انقرة وتباين وجهات النظر بينهم في قضايا حساسة و مصيرية كمسألة العضوية في الاتحاد الاوروبي وقضية الحقوق الثقافية للأكراد والغاء عقوبة الاعدام. ولعل اصرار بولند اجاويد على الاستمرار في زعامة الحزب الحاكم (اليسار الديمقراطي) رغم حالة المرض التي يعيشها منذ سنوات بالاضافة الى هيمنة زوجته رهشان اجاويد على ادارة الحزب كلية /وهي تحتل منصب نائب الرئيس في حزب اليسار الديمقراطي/ وحالة التنافس بين حزب اليسار الديمقراطي الذي يقوده اجاويد وحزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه دنيز بيكال واعتقاد كل حزب منهما بأنه الممثل الأوحد لحركة اليسار التركي كانت السبب المباشر في اندلاع هذه الازمة. ولعل بروز جيل جديد من السياسيين من الحركة اليسارية الذين يرون في القيادات القديمة كأجاويد حاجزا امام مشاركتهم في الحياة السياسية وتوليهم لمناصب قيادية في الحزب وغيرها من الاسباب ايضا هي التي دفعت وزير الخارجية التركي السابق اسماعيل جيم وبعض قيادات احزاب اليسار الديمقراطي الى الاستقالة والانشقاق عن اجاويد وتأسيس حزب جديد حزب تركيا الجديدة. وعلى الرغم من ان اسماعيل جيم دخل الحياة السياسية من خلال احزاب اليسار الا انه يحمل توجها اكثر ليبرالية ولعل السنوات التي قضاها في منصبه كوزير للخارجية واحتكاكه المتواصل بالغرب دفعه اكثر نحو الاتجاه الليبرالي ومهد له الطريق ايضا للزعامة0 اما بولند اجاويد فيرى ان اسماعيل جيم والمجموعة المنشقة عن حزب اليسار الديمقراطي ليسوا اوفياء للحركة اليسارية وانهم في تقدير اجاويد وقعوا فريسة لخطة يساهم فيها الاتحاد الاوروبي بالقضاء على حركة اليسار في تركيا ليستبدلها بما يعرف باليسار الليبرالي. وقد بدأت الحركة اليسارية في تركيا تتهاوى منذ سنوات ولايمكن للجدل الدائر حاليا ان يعيد للحركة اليسارية نبض الحياة بل سيفرز تيارا جديدا من وسط اليسار اكثر ليبرالية يمثله اليوم اسماعيل جيم ومجموعته0وما قام به كمال درويش منذ عودته من الولاياتالمتحدةالامريكية وتسلمه حقيبة وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية في حكومة اجاويد كان يهدف ايضا حسب بعض السياسيين الاتراك لتقويض الحركة اليسارية حتى ان بعض قادة اليسار في تركيا يعتقدون ان درويش جاء لهذه المهمة ومهمات اخرى . وقد ألمح بولند اجاويد الى ذلك ايضا واتهم درويش صراحة بلعب دوري تخريبي داخل حركة اليسار من خلال قيامه بتشجيع العديد من مسؤولي حزب اليسار الديمقراطي الحاكم على الاستقالة. وكان اجاويد يعتقد انه باستقدام الخبير الاقتصادي كمال درويش من الولاياتالمتحدةالامريكية ليساهم في انقاذ الاقتصاد التركي سيعزز صفوف حزبه ايضا بدرويش الذي تجمعه صداقة طويلة معه لكن الاخير شعر بأن حزب اجاويد بدأ يتهاوى فاختار الطرف المنافس له واعلن استعداده للتعاون مع حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه دنيز بيكال وهو تصرف اغضب ايضا اسماعيل جيم زعيم حزب تركيا الجديدة الذي كان يأمل في انضمام درويش على حزبه الجديد واتهمه جيم بعدم الوفاء لتعهداته. من الواضح ان حركة اليسار التركي تجدد نفسها في هذه المرحلة لتلبس ثوب الليبرالية وبالتالي تكون اكثر قربا من الغرب او لعلها تهيئ نفسها لمرحلة عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي. ولا شك ان هذا الجدل الدائر الآن وسط الحركة اليسارية التركية وتبادل الاتهامات بين زعمائها الذي يأتي قبيل موعد الانتخابات المبكرة سيعزز حظوظ حزب العدالة والتنمية /ذى الاتجاه الاسلامي/ في الانتخابات المقبلة ولاسيما ان معظم استطلاعات الرأي تعكس تعاطف الرأي العام التركي معه. ويعتقد المراقبون ان وسائل الاعلام التركية تساهم ايضا في حملة الدعاية بشكل غير مباشر لحزب العدالة والتنمية الإسلامي من خلال دعواتها المتكررة للأحزاب اليسارية والعلمانية التركية بضرورة التحالف في جبهة واحدة لخوض الانتخابات المبكرة بهدف قطع الطريق امام حزب العدالة والتنمية وهو ماسيدفع الناخب التركي حسب المحللين الى التعاطف اكثر مع حزب اردوغان الاسلامي. وتدعو القيادات السياسية اليسارية في تركيا دوما الى ضرورة التحالف للوقوف امام الاحزاب الكردية والأحزاب ذات الاتجاه الاسلامي.وكان بولند اجاويد نفسه قد حذر من احتمالات فوز حزب العدالة والتنمية وحزب ديمقراطية الشعب لكن من الواضح ان احزاب اليسار ستفشل في تحقيق أي شكل من اشكال التحالف بسبب خلافاتها وتراجع شعبيتها.وكذلك احزاب اليمين وخاصة حزب الطريق الصحيح الذي تتزعمه طانسو تشيلر حيث دعا الى تشكيل تحالف لنفس الغرض لكن الخلافات بين قادة الاحزاب التقليدية في تركيا تمنعها من تحقيق أي نوع من التحالف0ان المؤشرات الحالية تؤكد ان البرلمان المقبل في تركيا سيكون مشتتا ايضا حيث سيجد نفسه مضطرا لتشكيل حكومة ائتلافية من اربعة احزاب أو ثلاثة احزاب على الاقل وسيصعب على اي حزب في الوضع الحالي تحقيق الأغلبية لأنه كما ان الاحزاب اليسارية متناحرة فالأحزاب ذات الاتجاه الإسلامي ايضا متفرقة ومتنافسة فيما بينها اما الأحزاب التقليدية الأخرى كحزب الوطن الام وحزب الطريق الصحيح وحزب الحركة القومية قد يتجاوزون حاجز النسبة 10 فى المائة وبالتالي يحافظون على مواقعهم في البرلمان باستثناء حزب اليسار الديمقراطي وحزب السعادة الاسلامي اللذين قد يبقيان خارج البرلمان هذه المرة. ويرجح المراقبون ان يحتل حزب تركيا الجديدة الذي يتزعمه اسماعيل جيم موقعا هاما في البرلمان الى جانب حزب العدالة والتنمية الاسلامي. ولأن الجنرالات الاتراك قد يعرقلون وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى السلطة فسيعملون على دفع اسماعيل جيم الى تشكيل الحكومة المقبلة بالتعاون مع بقية احزاب اليمين التقليدية وهو ماسيفرز على الأرجح حكومة ائتلافية ضعيفة قد تدفع تركيا مرة اخرى الى دوامة الانتخابات المبكرة.