القوات البحرية تدشن عروضها في شاطئ الفناتير بالجبيل    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    الاتحاد السعودي للهجن يقيم فعاليات عدة في اليوم الوطني السعودي    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    النصر يستعيد عافيته ويتغلّب على الاتفاق بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    وزارة الداخلية تحتفي باليوم الوطني ال (94) للمملكة بفعاليات وعروض عسكرية في مناطق المملكة    السعودية تشارك في اجتماع لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض والتنمية المستدامة    هزة أرضية جنوب مدينة الشقيق قدرها 2.5 درجة على مقياس ريختر    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    ضبط مواطن بمحافظة طريف لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    بعد فشل جهودها.. واشنطن: لا هدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن    «الأرصاد»: ربط شتاء قارس بظاهرة «اللانينا» غير دقيق    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قصيدة بعصيدة    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    قراءة في الخطاب الملكي    على حساب الوحدة والفتح.. العروبة والخلود يتذوقان طعم الفوز    التزامات المقاولين    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثٌ وأربعون ميلاد ذِكرى ورحيلُ أُمّ
نشر في الجزيرة يوم 26 - 02 - 2021

«أهكذا يؤول الأُنسُ إلى وحشة، والحديثُ إلى صمت، والضحكات إلى دموع، أهكذا تُملأ الغرفة بالخوف والوجوم، ولم يبق إلّا نفَسُها أُنسا، ووجهها نُورا، وجسُدها دفئًا إذا قبّلتُ ناصيتها، أو رتّبتُ شَعرها، أو تحسَّستُ يدها، أو دلَّكتُ رِجلها، وإن كان ذلك لا يُغني شيئًا من المرام، إلّا أنّه أهونُ من فقده، وكان نعيمًا لمّا فُقد» (ص146). عبّرَ النصُّ السابقُ عن نبض الكتاب الذي سطّره الأستاذ الدكتور: فريد بن عبدالعزيز الزامل السليم، وفاءً لأُمّه التي أحبَّته ثمّ رحلت، وأشرقَتْ شمسُ لُطفها ثم غَربَت. وطوبى لمن يملكُ اليراع، ويُحسن بناء الكلمات، ويرسم في النفوس سواد حُزنه، أو بياض فرَحِه. وعزاؤنا لمن يصرُخ في أعماقه، ويستجدي حروف الشِّعر فلا تأتيه، ويطلب كلمات النثر فتستعصي وتُكابر. وإذا كانَ «لا بُد للمكبوتِ من فيضانِ»، كما يقول محمد إقبال، فإنّ كتاب (ثلاث وأربعون- الميلاد والرحيل)، جاء زفرة محزون، وأنين يتيم، وآهة فقد، ولمسة وفاء، وإشراقة بِرّ، ولئن كان المؤلِّفُ وحيدَ أمّه إلّا أنه قد صار أُمّةً في رَجل، وجماعةً في واحد؛ وقد يكون جزاءً وفاقًا لبرّها بوالديها، «وقد كانت أمُّه أقربِ بناتها لوالدتها» (ص13).
والكتابُ الذي يتحدّث عن الأمّ من الميلاد إلى الرحيل، ويستحثّ القرَّاء على تدارك ما فات من تقصيرهم، كتابٌ نثَر فيه الكاتب كنانةً من ثقافة تاريخية، وأدبية، وتربوية، وغيرها، وقد كتب هذا بلغة سهلة أحسنَ اختيارها؛ حتى يكون المقروء في يد الصغير والكبير، والمثقّف وغيره، مع إسهاب في الأسلوب يُذكّر بأسلوب الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته.
ومع أنّ مضمون الكتاب رحلةُ عزاء، وسفرُ نفْس عزيزة، إلَا أنَّ اللغة لم تكن منفلوطية عاطفية، فالكاتب يكبح عاطفته إن أحسّ أنّ حبره سيستحيل دمعا. وإذا كان الطنطاويُّ مشبّهٌ به في إسهابه، فقد أخذ المؤلّف من (أيام طه حسين) حديثه عن (فتى) غائب حاضر، وكان تأثره بأسلوب طه حسين واضحًا جليّا، يبدو في استدعائه قصة تأليف كتاب الأيام، بقوله: «فأيام طه حسين أُمليت؛ لمّا ثار عليه الثائرون فأُقصي واتُّهِم» (ص9). ثم يتّضح التأثُّر بإيراده عبارات طه، حين يقول: «وبينا كان الفتى يُقلّب في دفاتر أبيه» (ص29)، «ظلّ الفتى حائرا» (ص30)، «غير أنّ الفتى لم يُبد شيئًا» (ص66)، «فالفتى في السنة الثانية الثانوية» (ص68). وحين ذكَر المؤلِّف قصة تأليف أيام طه حسين، فإنه أورد -كذلك- سبب تأليف كتاب (حياتي) لأحمد أمين بقوله: «و(حياة) أحمد أمين كُتِبت بعد أن انفضّ عنه الأكثرون ممَّن حوله، وفقد المنصب والمكانة، وشطرًا عظيمًا من الصحّة» (ص9). وقد أخذَ من أحمد أمين سهولة الأسلوب ووضوحه، وفي هذا يقول الأخير في (حياتي، ص67): «وبساطتي في أسلوبي، وعدم تعمّدي الزينة والزخرف فيه». وهذا ما نلحظه في الكتابين.
ولمَّا كانت هذه سمات أسلوبه، فإنّ لمضمونه سمات، منها: أنّك لا تستطيع التفريق بين السيرة الغيرية والذاتية، فإذا تحدّث عن أمّه تحدّث عن نفسه، وإنّك لترى في الكتاب سيرة للمؤلّف نفسه، ميلادًا، وتعلُّمًا، وصداقات، وتجارب، وعناية بالتراجم، وحرصًا على تفسير المصطلحات، ودراية بالتاريخ الشعبي الذي كانت أُمُّه قُطب رحى قصصه، وستبرز لك شخصية المؤلف الاجتماعية، فأنتَ تقرأ قوله: «حدّثني العمّ عبدالله الزامل» (ص33)، «سمعتها من أُستاذنا د. عبدالرحمن العثيمين» (ص34)، «ومن كبار السنّ الذين كنتُ أجالسهم» (34)، «وحدّثني رَجلٌ من كبار السنّ الذين كنتُ أُجالسهم» (ص35)، «حدّثني بتفاصيل العزاء الوجيه عبدالرحمن البسام» (حاشية ص41)، «حدّثني الشيخ إبراهيم بن حمد الجطيلي» (حاشية ص64)، «استمليتها من الخالة حصة المحمد العلي» (حاشية ص100).
ومن هذه المقتبسات نرى تأثّره بطبقتين، هما: طبقة كبار السنّ، وهو واضح في قصص الكتاب، وفي الأبيات الشعبية التي استشْهَد بها، أمّا الطبقة الثانية، فهي: الطبقة العلمية، وهو أثرٌ لا يتجلّى في الكتاب وحده، وإنما في حياته كلها، ومما نقرؤه في كتابه من الروح العلمية للباحث: طرح الأسئلة، كما في قوله: «وسألتُ أمي» (ص20)، والبحث التاريخي الذي تأثّر فيه بوالده، مثل قوله: «وبينا كان الفتى يُقلّب في دفاتر أبيه» (ص29). وإذا كانت طبقة كبار السنّ قد أثْرَت رصيده في الشعر الشعبي مباشرة، فإن الطبقة العلمية قد أثرت رصيده بالشّعر الفصيح من طرَف خفيّ غير واضح، فنجدُ كثرة استشهاداته بشعر (ابن الرومي، والمقنّع الكندي، والجواهري، والبارودي، والشريف الرضي، وأحمد شوقي)، وهي مختارات تُظهر الميل إلى اللغة الشعرية التي ترتوي من التراث أكثر من المعاصرة.
ومن الأثر العلمي في هذا الكتاب أن نجد عبارات عميقة للمؤلف، تُشبه «التغريدات» في لغتها، وأُوردُ عشْرًا منها:
1- «وأعظم ا لعيّ أن تتوارد المعاني وتعجز الكلمات.. أن تكثر المواقف وتقف اللغة.. أن تجيش المشاعر وينعقد اللسان» (ص7).
2- «الصبر والإحسان سمة البيوت المطمئنة» (ص20).
3- والحدث المجرّد لا تكتمل صورته، ولا تتّضح معالمه؛ حتى يُكشف التاريخ، وتُكشف الخفايا، وتُعرف الجذور، وتستسقى الروافد» (ص31).
4- «وكم تُؤثّر الصحبة والخُلطة في القلب والفكر، وكم تظهر في الخُلق اقتداءً واحتذاء» (ص32).
5- إنَّ من أعظم ما يحفّز المرء على تكرار الفعل أن يُحمد عليه، أو يُشجّع، ويُكافأ» (ص50)
6- «نشأتُ على أن أحسب لمشاعر أُمّي أعظم حساب، فكنتُ لا أُقدم على عمل إلّا مراعيًا لمآلاته عندها، وكبُر هذا الشعور معي» (ص59).
7- «ورُبَّ أمرٍ من الإثم اعتاد عليه المرء؛ فسهل في نفسه» (ص111).
8- «لكلّ عُمر نوعٌ من الخوف، والشفقة، والمحبَّة، والرجاء» (ص116).
9- «ومن طلب صديقًا كما يهوى لا يجد منه إلّا ما يرضى، فقد أتعب نفسه بالطلب وما وُفّق» (ص135).
10- الفقد الحقيقي ليس بالعجز أو الإقعاد، إنَّه بالتواصل الشعوري الذي يُبقي القلب مُتّصلاً بمن يُحبّ» (ص140).
وهذه العبارات نتاج تجربة في الحياة، وخلاصة مواقف عبرَت ثُم عُبّر عنها.
وإنَّ هذا الكتاب رسالة ولد مكلوم، خطَّها بيد الفقد، على ضلوع الألم، بمداد الفراق، كتبَها وفاءً، ولنا نُصحًا وموعظة. غفر الله للأحياء منّا والأموات.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.