كيف حين تكتشف أنَّك تتحرك في عقول الآخرين، وليس في صدورهم فقط؟ وكيف، حين تجد أنَّ هؤلاء الآخرين هم معك، وأنَّك لم تكن لحظةً وحدك دون أن يكونوا معك؟... وكيف إنْ توغلت أكثر في هذه المعيَّة، ووجدت أنَّك فيما يرسمون، وينحتون، وينقشون، ويكتبون، ويعبِّرون، واكتشفت فجأةً أنَّك تفعل المِثل بهم ومعهم؟ وحين يجد الكاتب أنَّه متحرِّكٌ، ملتحمٌ، نابضٌ، يعيش في عقول وصدور الآخرين فإنَّ شيئاً واحداً سوف يدعه يفكر في مدى أهميَّة معيَّة العقل، عن معيَّة الصدر... فالصدر موطن العاطفة، والناس تحبُّ بعضَها، وتتآلف مع بعضِها، ويشدُّها إلى بعضِها إحساسٌ صادقٌ، وتوافقٌ عابرٌ أو دائمٌ، وتتشارك في خطٍّ أو خطوطٍ ما... أما معيَّة العقل فهي لا تتحقق إلاَّ في أرقى عمليات الالتحام بين ما في الصدر، وما في العقل... وحين يجد الكاتب أنَّ هناك من هم في معيَّة قلمه، وحرفه، وفكرته، وأنَّهم يمارسون التعامل مع الحياة بمثل ما يمارسه هو، وأنَّه فجأةً ينطق بما ينطقون، ويلوِّن كيفما يلوِّنون، ويرسم كما يرسمون، ويحزن كما يحزنون وأنَّ ثمَّة توافقاً في لون الحزن والفرح، والمنافذ والمعابر، والمداخل والزوايا بمثل ما هو في الانبساط والانغلاق... فإنَّ حقيقةً واحدةً يمكن أن تؤكد على أنَّ الحياةَ هي هكذا، ولولا توافقُ الإنسان بالآخر... وترابطُ الجزء بالجزء وتماثلُ الخفقةِ بالأخرى لصعبَ العبور في مجاهل طرقاتها... وعواء اللَّيل يأكل الأمل.... لكنَّ شيئاً من هذه المعيَّة يبدِّد وحشة الانطلاق... ويحقق الاستقرار والرضاء...