فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر والقصيدة (حواريّة)
نشر في الحياة يوم 18 - 03 - 2011

أَلهمتْني هذا الحوار عفويَّةُ الإِبحار في دنيا محمَّد علي فرحات الرباعيَّة الفصول، مِلءَ سيرةٍ شعريَّةِ العُمر ألَّفَ صحائفَها، برغم شواغلِ الصحافة اليوميَّة، «كتابُ الإِقامة» (دار النهضة العربيَّة، بيروت الطبعة الأولى، 2009)، ومجموعة «شمس على طاولة»، و«بابل العصر»، و«بيان الخوف» (دار الجَمل، بغداد - بيروت، 2010).
زوْجا الحوار: الشاعر (محمَّد علي فرحات)، القصيدة (ديوان حياته).
الشاهد: الضمير القارئ.
المكان: عوالمُ سماء وأَرَضين.
الزمان: دوامُ شهرِ عسل.
يَسْري في عروق الحوار جوُّ حوريَّاتٍ راقصاتِ الأَنفاس.
- أ -
- الشاعر: فرحةُ الفرحات أَنتِ. اسمُها في حسْنها. جسْمُها في بيتِ نفْسها. إنسانُها في روحِ قلمٍ ونفْحِ بيان.
مِن أَين أَتيتِ، وإلى أَين انتهيتِ قبْلما هبطتِ من عوالمِ سمائك إلى تُرابيَّتي الكونيَّةِ المضمون؟
- القصيدة: مهلاً! مهلاً. أَبعلوِّ سنِّك نبْضُ عشقٍ في نشوةِ هيام؟ عجبًا للحُبِّ ثم عجبًا.
- الشاعر: لا مَهْل، هنا، لا عجَب. الحُبُّ، عشقًا، شِعرُ اللاحَدّ، وعدُ الفَجر، خُلدُ الطفولة أبدَ العُمرِ إِلى أَمد الشيخوخة ورأْسِ الهرَم.
- القصيدة: الحُبُّ شعرٌ؟
- الشاعر: نَعمْ ثم نَعمْ.
- القصيدة: والنثر ما قِسْمةُ عزِّه في وليمةِ المهرجان؟
- الشاعر: النثر، شعرًا في الصدر نثرًا، ديوانُ الدهر في مثنّى كتاب وجَمعِ كيان، سِرُّ زواجٍ مسكونيِّ الوجدان في صراعيَّات الوجود.
... أَنا قرينُ القصيدة إِذ أَنا أَنتِ...
- القصيدة: وأَنا عروس الشاعر إِذ أَنتَ أَنا.
- الضمير القارئ: ما أَروعَها الحياة شعرًا ونثرًا في أَبجديَّةِ خَلقٍ وأُمميَّةِ جمال! فلمَ التقليد؟ أَليس ما يسوِّغ «أَنا أَنتِ وأَنتَ أَنا» هو الإِبحار، شاعرًا وقصيدة، في عمقيَّات الوعي وأُفقيَّات التجديد؟ لندَعْ شوقيَّاتِ «أَنا أَنطونيو وأَنطونيو أَنا»، فننشد عوالمَ ابتكار؛ أَو لا شِعر في المرتجى، لا نثْر، لا شيء ممَّا إِيَّاه نقصد في مُبدَعات التحدِّي وسائرِ معطَيات الطموح.
- الشاعر والقصيدة (معًا): المعذرة، المعذرة.
- الضمير القارئ: لا للتقليد والتكرار آفتَي الخطيئة الأُم. لو نلبِّي الدعوة ابتكارًا تلْو ابتكار، فنعود إِلى فردوسِ ما قبْل الخطيئة، عهدِ البراءة، عذريَّةِ التاريخ.
- الشاعر والقصيدة (معًا): حقًّا حقًّا تقول.
- ب -
- الشاعر: يا لصفاء الحُبِّ معكِ، يا جميلتي، أميرتي، قصيدةَ العُمر!
لستِ جميلة لأَنك جميلة فحسْب. ولكنْ، فوْق ذلك، لأَنِّي أُحبّكِ أَنتِ جميلة.
- القصيدة: في نشوةِ عينَيكَ أَسبَحُ مَدى البحر، أُغنِّي القلبَ شعرًا والعقلَ نثرًا في عفويِّ تبادلٍ حُرٍّ شاملٍ هو كلمةُ السِرِّ، سِرِّ زواجنا، نعمةِ وحْينا، بَرَكةِ الوعي والإِلهام.
أَنتَ، هنا وفي كلِّ هنا، فحْوى الذات منّي، وأَنا منكَ فحْوى الموضوع.
- الشاعر: سِرُّنا، هذا، عهدُ حُبّ في ميثاقِ وفاء ذاتًا وموضوعًا لملحميَّات الكلمة التي في البدء كُتبتْ لنا وعلينا، فزكتْ فينا، فاغتذينا منها بخبز القلم مغموسًا في دمِ الحبر على رجاءِ الفدى والخلاص...
- القصيدة: ... ملحميَّات الكلمة، كلمةِ حياتنا التي لا شيء هي في أَحيان.
ولكنْ، مع ذلك، لا شيء يساوي الحياة، شخْصَها ونَصَّها، في سَيفيَّات القلم، سليلِ الأَصالة التي تحافظ وتُغيِّر معًا في لحظة اللحظات.
- الشاعر: كم من أَحوال إِلى زوال لولا تلك الأَصالة المتناقضةِ السجايا على تعاقبِ الفصول وتَناسخِ الحضارات!
- القصيدة: لكنَّ الأَصالة، هي نفْسها، معرَّضة للزوال إِمَّا تصدَّى لها الأَلَدُّ الخدَّاع: زيفُ الكيان.
- الشاعر: حيالَ الزيف تغدو هويَّتي - كلمتي - إِمْرَ ضياع. عبثًا أفتِّش عنها؛ لا أعثر عليها أَبدًا.
- القصيدة: هل فتَّشتَ عنها في جيبك حيث تعوَّدتَ أَن تضع قلمك وبعض الورَيقات؟
- الشاعر: جيبي مثقوب. أَكثرُ ما أَضع فيه يختفي. صدقَ المثَلُ ولو مبتذَلاً: «الداخل مولود، والخارج مفقود». أَين تُراه يكون؟
- القصيدة: خطَفه القَدر. غيَّبه الخَطر. ابتلعه البحر. افترسه البَرّ. صعقتْه جوائحُ السماء.
- الشاعر: كيفَ كيفَ وأَنا، في حِمى سيرتي وعصمةِ قصيدتي، ضَمانُ البحر والبَرِّ والسماء؛ إِنسانُ الطبيعة بصيفها وشتائها وربيعها والخريف؟
ذلك بأَجمعه يتجسَّدُ مصِيرُ إِنسانه في غدويَّات التراث، تراثي الذي تعهَّدتْه أَحكامُ الجغرافية وتداولتْه أَيدي التاريخ، فاقترن مصيرُه - مصيري - بمجرى الأَحداث وقد واجه مَطالب التحوّل، فلبَّاها في كلِّ شوط من أَشواط التحدِّي طوْلَ مراحل العمر.
- القصيدة: أَيّها المغامر حيًّا موصولَ الأَنفاس!
لا تتوقَّفْ. لا تكفَّ. أبدًا حاولْ ما تعامِل في تفاعلٍ يعايش أَمواتًا لا يُدفَنون، موتى الهوامش، جثثَ العدم والفراغ.
- الشاعر: ما لنا ولأُولئك الموتى؟ نحن شَعبُ الحقيقة التي لا تستسلم ولا تزول برغم ما يتوعَّدها من دواهي الظلم ودواعي الظلام.
- القصيدة: رسَتْ بنا الحقيقة في حِمى الميناء بَعْدما طوتْ مسافاتِ البحر والبرِّ والفضاء وسائرِ الكون.
- الشاعر: بحرُنا، شِعرُنا، استقرَّ إِنسانُه - ولو إلى حين - في قاع البَرّ الذي دوَّن أبجدَ الأَبجديَّات.
- القصيدة: ما أَهدأَ الحياةَ في ذمَّة القاع، القاع الأَقصى، مَدى الأَعماق!
- الشاعر: عالَمي، في القاع، مَقامُ معرفة وموطنُ سلام.
- القصيدة: عالَمكَ، هذا، دستورُ حدودك ما دمتَ لا تجاوزها إِلى بعضِ ما سواه. لكنَّه، ولكلِّ شيءٍ لكنَّه، سجْنُكَ المؤبَّد الذي تحجب عنك أَسوارُه معْظمَ العوالم والحدود.
- الشاعر: أُكرِّر: هي التقاليد تحبسكِ إِذ تحبسني عن جُلِّ ما عداها ثمَّتَ وهنا وهناك.
- القصيدة: أَتريد أَن حياتنا، في بعض الحالات، هي شبْهُ الدائرة التي لا تعرف، هي عينُها، أَوَّلَها من آخِرها؟
- الشاعر: لو كنتُ أَدري، في الحقيقة، تمامَ ما أُريد، لَما وجدتُني، الساعة، في أَزمةِ خيبة وحيرةِ ضلال.
- القصيدة: لا تيأَسْ، لا تتحيَّرْ ما دام بيدك مفتاحُ البيت: الشِعر.
- الشاعر: صوابًا قلتِ. قلمي شَفيتِ. كلامُك دوائي ونَبعُ دواتي. الشعر، عندي، مفتاحُ طبيعتي، تفَّاحُ جنَّتي زهرًا وثمرًا في عطر البخور.
- القصيدة: بخور مريم؟
- الشاعر: نَعمْ.
- القصيدة: يُصوَّر لي أَنك لا ترى في بخور مريم سوى عطرِ وعْد بموسمِ خير قلَّما يبقى في يدك شيء مِن حلمه؛ لكأَنه وعدُ جَمال مكبَّلُ الحرِّيَّة، معطَّلُ الحركة، مُجندَلُ قِيَمِ العطاء. فلمَ لا تَرود حلمك، هذا، في قمم المستحيل؟
- الشاعر: قممُ المستحيل... أَوجيَّاتُ الحلم... قيَمُ طموحه... التَهمَ فعرَّى غاباتها الحريقُ الكبير.
- القصيدة: لكنما نرجس الشّعر بُعث حيًّا في قَدَر المستحيل. فعاد، في موسمِ تارةٍ أُخرى، ينبت، شيئًا فشيئًا، في أَرضِ حرِّيَّةٍ ويقظةِ ربيع إِلى رحبِ صيفٍ طوْلَ نهارٍ سخيِّ الضياء سَبَق شتاءَ احتلال وأَثقالَ كوابيس.
- الشاعر: لا تُذكِّريني بشتائنا ذاك احتلالاً وكوابيس. حُكْمَ ذئاب كان، في نظراتِ افتراس لم تردعه إِلاَّ عصا الملاك الحارس، صلاةُ النجدة الأُمِّ، شجرةُ البَرَكة التي استحالتْ أَغصانُها شَعْب عصافير.
- القصيدة: لكنَّها عصافير خرساء.
- الشاعر: الخرَس، عندها، اختيارًا لا عن أَمرِ إِجبار - الخرَس، هذا ناطقًا بلغةِ الإبحار في رباعيَّةِ الفصول التي تَفرح طبيعتُها بزواج النور والظلِّ على بركة الخالق، في شهرِ عسل لهما، عبْرَ النهر، رمزِ مجرى الحياة، هنا، طوْل نهار العمر والليل.
- القصيدة: يا لَبهاء الصورة في عُجْبِ منطقها! لكنْ كم مخًّا يَعقل فحْوى الأعجوبة؟
- الشاعر: أَين أَمستِ الأُعجوبة؟ إِلى أَين انتهت؟
- القصيدة: إِمَّحت صورتُها. طار إِطارُها مفرَّغَ المضمون. تاهَ ما سَلمَ من محتواها في مَجاهلِ مَسقطِ رأْسها، فهامت تضطرب في خضمِّ غربة وضياع.
- الشاعر: أَحقًّا يَضيع الحُبّ؟
- القصيدة: كيف لا يضيع إِن هو اقتصر على المفرَد الوحَد؟ إِنما الحُبّ سِرُّ المثنَّى جمعًا إِلى منتهى جُموع.
- الشاعر: كفانا مواعظ؛ كفى. لا أَحد، عندنا، يريد أَن يَسمع الكلمةَ صوتَ معرفةٍ تغيب عن ليل العَمَه والضلال.
- القصيدة: الليلُ، ليلُنا، بلوى ضرير غرقَ في خيبةِ عينَيه مَركبُ الطفولة التي هرمتْ قبلما جاوزتْ سنَّ الرضاع.
- الشاعر: أيَّ مستقبل لنا حيالَ هرمِ الطفولة؟ أَيَّ مَصير؟
- القصيدة: إِلى المأوى، دارِ العجْز، غدُ مَصيرنا إِنْ لم نصلْ كلَّ لحظة منَّا بحركيَّةِ استمرار نبْضَ حياة في عقبِ نبْض، أَو فجأَةً يتعطَّل بنا المحرِّك في مِثْلِ سكتةِ قلْب...
- الشاعر: سكتةِ قلْب ساعةَ التخلِّي في ساحةِ جنون بلا مساحة، حيث مسافتنا طريق مسدود، نمشي لسنا نتقدَّم، دوْننا دهرُ انتظار على هامش البَرِّ والبحر كأَنْ لم يبقَ عندنا مِن أَمل بمرافئِ الرحمة والسماء.
كان الوطن، في دستور العهد - عهدِنا وعهدِ سوانا -، وفاءَ وعْد في صدقِ ميعاد. بيد أَن حُكم التاريخ أَنكرَ قدَرَ التوكّل وقضاءَ التوقّع في مؤَمَّل الانتظار. فتحيَّرْنا، أَنتِ وأَنا، إِذ بغتتْنا المصادَفة، فصارعْنا المدمِّرَ نحاول أَن نعمِّر على أَنقاضه مرتجى الحلم ولو في المستحيل.
- القصيدة: فراغُ كلام، هذا، في حلمِ فراغ، أَمن شيءٍ في فراغِ اللاشيء؟
- ج -
- الشاعر: لا نيأَسْ. ولَّى شيطان التدمير ولو إِلى بعضِ الجيل. أَطلَّ عهدُ التعمير في طاقاتِ التغيير وممكناتِ الإِبداع.
- القصيدة: هذا كلام، وعدُ كلام بغيةَ رمْز في بنْيةِ مَجاز.
- الشاعر: رمزُ إِيمان، سِرُّ خبز وخمر بقدسهما يتجسَّد عهدُنا الجديد في صيغةِ ابتكار يؤبِّد استمراريَّةَ التغيير في ثباتِ الحقيقة، أو حقيقتنا على الأَقلّ، برغمِ ثوريَّاتِ انقلاب في صمتيَّاتِ بلاغةٍ خرساء إِلاَّ بمواقف الحقِّ، الحُرِّ، الشجاع.
- القصيدة: أَجَلْ بلاغةٌ خرساء؛ لكنَّ عقدة لسانها تنفكّ إِذا هي ابتكرتْ خلاصها، وإِلاَّ قطع لسانَها سَيفُ التكرار لِما بمعسكراتِ الثرى والثريَّا مِن صواريخ البَرِّ والبحر والجوِّ طوْلَ مراحل الرحيل ليلَ استشرى بنا هولُ الأهوال، فهرَبْنا من جهنَّميات الردى والخراب.
كم كابدْنا، في صراعِ الحياة والموت، حرْبَ الجنون والإِجرام، إِذ فقدتِ الكلمةُ نفْسَها، وحُرمتْ حقوقَ إِنسانها وقد استبدَّتْ بها أَو أَغوتْها شياطينُ أُمَمِ السلاح.
- الشاعر: مَن وما عنيتِ في ذلك المشهد الرهيب؟
- القصيدة: مِن سلاح الدمار تَحَرَّرْ قبْل أَن تسأَلني عن الجواب. لا جواب عندي، وعند الأَكثرين، بسوى حجَّةِ لغةٍ تحتويه فتؤَدِّيه، أَو هي لا تفتأُ تطرق أَبواب المحال.
- الشاعر: المحال انفتحتْ لي أَبوابه حينًا، ثم انغلقتْ في وجهي، ولا مفتاح. فلم يبقَ أَمامي إِلاَّ فعْل الندامة والتوبة والصلاة.
- القصيدة: وماذا بَعْد؟
- الشاعر: بستانُ رؤيا ذاتِ حلمٍ وكابوس: حلمِ سعْد في طبيعةِ زهر وثمر، وكابوسِ نكَد في أَقنعةِ مسلَّحين يتدرَّبون - زَعموا - على الرماية، يطلقون النار على الأَبرياء، يوقظون سكَّان القبور، يُرهبون الصغار والكبار.
- الشاعر والقصيدة (معًا): بيد أَن مَدافعهم لا تُدافع ولا تهاجم. أَمسينا حيالها شهودًا لهزليَّةِ المأساة على مَسْرح ما يسمَّى حُكْم الاستقلال.
- القصيدة: شِعري، في وطنِ مأساتنا الهزليَّة، إنسانُ ضمير لا يني يسائل نفْسَه والآخَرين كيف يستطيع لبنان أَن يحيا.
- الشاعر: كيفما كان لبنان، وكيفما كنا، يحيا لبنان. به أُومن في قدَرِ حقيقته، جغرافيةً وتاريخًا، على سنَّةِ التنوّع في طبائعِ جبالنا وسهولنا الوفاقيَّةِ، الولاء لوادي القداسة المعمَّدة في البحر، حيث الملح الذي لا يَفسد على الدهر أَبدًا.
حيَّرَني سؤالكِ أَنْ كيف يستطيع لبنان أن يحيا؛ ثم شجَّعني، وشجَّع أَجيالنا، وربما شجَّع أَجيال غدنا، على المقاومة والنضال وعيًا منَّا أَن مصيرنا استمرارُ صعود وهبوط، لا راحة، لا استقرار. لكأَنَّ سِيرتنا، مذ أمسها إِلى ما بَعْد، شريطٌ مصوَّر لرقصة الدراويش.
هكذا كنَّا. هكذا أَصبحنا. هكذا لا ننفكّ نصير.
كُتبَ لنا - وعلينا - أَن نبقى فَتُّوش بَشَر في خليط شعوب.
أَتُرانا معنَى الموجود في مبنى المفقود؟
- القصيدة: أَليس الحُبّ، في أَخويَّةِ المعنى والمبنى، هو روحُ الجواب عن أُحجيَّةِ هذا السؤال؟
إِلى الحُبِّ، إِلى الحُبِّ، رمزِ مائنا والخبز، أو نموتَ مِن عطش وجوع.
لكنَّا كلما شربنا وأَكلنا، ازددنا، في أَحيان، عطشًا وجوعًا.
- د -
- الشاعر: في المدينة - مدينتِنا ومدينةِ سوانا، عاصمةِ التخمة، حاضرةِ الغنى، برجِ الأَبراج - في المدينة لا اكتفاء إِلاَّ جَبْرًا يُفرَض على أَكواخ الحرمان.
- القصيدة: بيد أَن البرج، ساحةَ ملوكنا - وشهدائنا - وتاجَ كوخنا، أُمَّةُ عُلًى تُبْنى على أَوجيَّاتِ طموحه قصورُ الشّعر في دار الكرامة، بيتِ الأُسرة جَدًّا فَأبًا فحفيدًا وما قبْلهم وما بَعْد. بيتُنا، هذا، يَسعنا جميعًا ويَسَع غيْرَنا في سويَّةِ مَقام ورحبةِ ضيافة وعفويَّةِ جُوْد، على تواصل الحدود أَرضًا وسماءَ كواكب تُطلُّ على مَدى بحرٍ يَغوص في أَبده ديوانُ العمر.
- الشاعر: الغَرَق! الغَرَق! هو ذا الغرَق! همودُ الموت. هلكَ السمك في فُلْك مقلوب. غابت الشمس. اسودَّ البحر. لا قمر يُنير حبْسَنا في قبور الجماجم. بتنا شريعةَ قبائل تغزو قبائل في مَلاحمِ لانهائيَّاتِ الحروب.
- القصيدة: بئسَ الكيان وبئسَ المصير! أُمَّةُ أَخبارنا - ملحمةُ أَشعارنا - دمُ كَلِيم في جحيم عذاب. المعركة ثَمَّ تَئِدُ ما قبْلها ولا تَلِدُ ما بَعْدها. فينتهي عندها رجاءُ الحياة، مستقبلُ إِنسانها، ومعه تهوي حمامةُ السلام وقد اغتالتها جريمةُ حرب هي، في ألمِ الواقع، نصْرُ دمار.
- الشاعر: أَمسينا أَشتاتَ كيان لم يكد يبقى له مِن أصالةِ أَثر إِلاَّ في مستحيل الموعود.
- القصيدة: بيد أَن موعودنا المفقود - نقيضَ حضورنا ولو في الغياب - لم يخيِّبه انكسار النصر. فهو أَبدًا يحلم بالأَرض الجديدة التي لوَّحت له بالسلام المستعاد، سلامِ العهد، عهدِ الأَطفال الكبار، بعد أَن قاسينا ما قاسينا من عصابات الحرب وقد هبَّت تسرق تراثَ القيَم وتسترقُّ الحرِّيَّات. فكان، في سوءِ ما كان، أَن انطفأَ نهارُ المستقبل واشتعل عالَمُ الليل. فهرعَ سفيرُ الحقيقة يفتِّش عن ضالَّتها في مدافن شهدائنا الأحياء، حيث وُلد حلمُ السلام، وحيث شبَّ وكاد يشيب إِذ ابتلاه قدَرُ العُمر والهرَم، فزلزله، فبات حلمُنا أَطلال تاريخ فوْق أَطلال.
- الشاعر: الرحيل! الرحيل! لنكسِّرِ القيود، لنحرِّكِ الجمود: تفلَّتَ جنون الوحش من القفص الحديد.
- القصيدة: الجنون بعضُ حالاته سلامةُ عقل في صوابِ مَنطق كلَّما انفتح عليَّ سِرُّه حَبَّبَ إِليَّ معيَّةَ الماء والتراب.
بالماءِ والترابِ مقترنَين جبلتُ حياتي: سافرتُ في سِفْرِ أَيَّامي التي ينتهي شوطُها إِلى حَتْمِ المحطَّة الأَخيرة في مَحلَّةِ الغياب والزوال.
- الشاعر: ولكن للموت دفتر شروطه قبْل أَن يَقبل في دياره أَحدًا منَّا، ومن سوانا، فضلاً عن الآخَرِين.
الموت سيحلِّق بنا مَلاكُه في مجهول السماء، أَو سيهبط بنا شيطانُه في مجهول الجحيم، فيحيِّرنا حكمُه، علوًّا وسفلاً، فنسأَله ماذا يعمل وماذا يريد. غير أَنه، في الأَكثر، لا يحبّ أَن يجيب.
- القصيدة: هنا السؤال والجواب هما، في أَمانة المرآة، صورةُ حقيقةٍ ما.
كلُّنا، كبارًا وصغارًا، سواسية بين يَدي المرآة، عند صراعِ مصيرنا وفْقَ مشيئة الأَقدار.
يا خوْفنا أَن يذوب، في لظى الصراع، مَعدنُ بقائنا!
يا خوْفنا أَن تدوسنا دبّاباتُ شَرٍّ يدعِّس لحْمَنا، يكسِّر عظْمَنا، لا يأْلم إِذ يؤْلم، وسوى أَمرِ الطاعة لا يفهم البتة. يَكبس على الزرِّ، فينطلق الصاروخ. فنرى إِليه يطير إِلى المرمى الذي ترسمه، على الشاشة، آلةٌ مجنَّدة تتلقَّى الأَوامر من آلةٍ قائدة.
... إِنَّها لَمعركةٌ شبْهُ دائمة. لا راحة. لا هدنة. لا أَحد يفكِّر في مَخرجِ نهاية. حسْبُه أَن يفكِّر في كيف يقفز فوْق خطرِ قنبلة قد تنفجر فجأَة، أَو فوْق جثَّة طازجة لم يسكت قلبُها بَعْد، فأَمستْ رهْن آلة طبِّيَّة تمدِّدُ خفقانَ نزاعه، فتعوِّقُ ساعةَ خلاصه كأَنْ لا نهاية لهذا الاحتضار.
- الشاعر: أَيَّة نهاية؟ ما نزال في عزمِ البداية وأَوائل الصراع. معضلةُ حربنا طويلةُ العمر، نحمل وهميَّةَ مَجْدها على أَكتافنا، نَعدُّه ذخيرةَ سلاحنا وقد سقط حوْلَنا فرسانُ المنيَّة العطشى إِلى الدم.
عاد إِلينا إِله الحرب يكرِّر نفْسَه فينا وفي الآخَرين وفي سوانا، ويأبى أَن يعبِّر عن فحوى بقَع الدم الذي سقى أَرضنا الظمأى إِلى المزيد هدمًا للإِنسان ولخيرِ ما فيه وعنه وإِليه.
- القصيدة: الويل! الويل! ويل المزيد في جوائحِ زمن لم يُصَنْ فيه للكيان حقُّ وجود، ولا سَلِم للوجود حقيقةُ إِنسان.
لبنان، يا وطن غياب! منكَ أَبكي، وأَبكي عليك. قلبي كلُّه إِليك يهزّني الحنينُ المغترب الذي هجر الأَشياء كلَّها فخسرَها شيئًا في إِثْر شيء. لا أُفقَ سَفَر بَعْد اليوم، لا وَعْدَ بمُقام، لا موطئَ قدمٍ لمستقبَليِّنا، نحن الاثنين شاعرًا وقصيدة، ولو في مرتجى المستحيل صوْبَ وُعودِ المساكن التي بُنيتْ لنا ولسوانا وللآخرِين، فما عتَّمتْ أَن هدَّمتْها زلازلُ شَرٍّ مغمَّضِ العين والضمير، مغلَّقِ وجدانِ الإِرادة والعقل والشعور.
الخوف! الخوف! ها بيان الخوف من جوائحِ رُموز إِلى رمَدٍ انتشر وباؤه أَسوأَ انتشار، فكحَّل الأَبصار وعمَّهَ البصائر؛ فأَرَّقَ ليالينا كابوسُ أَسوار طوَّقتْ جدارَ ظلمٍ صينيِّ التذكار يَدين الحرِّيَّة ويسجن البراءة.
لكنْ شرٌّ من هذا السجن سجنٌ يسجن نفْسه إِذ يسجن غيْرَه في قفص «عدالة» تتَّهم كلَّ حال من أَحوال الكلِّ، وتستقي ماءَ حياتها - ومماتها - من كوارثِ أسطورة الطوفان.
- الشاعر: لا نخَفْ. لنقاومْ. لنستعِدْ حقَّ ما فقدْنا لمَّا حُرمْنا، فانطفأْنا، فوقعْنا في قبضةِ ظلماتِ ما قبْل الجغرافيا والتاريخ.
- القصيدة: كيف؟ كيف؟ أَمِن أَحد يقدر أَن يتنفَّس في مَخانقِ ما قبْل الجغرافيا والتاريخ أَيَّامَ انهارتْ بيوتنا، مَواطنُ كياننا، نحن سكَّانَها الهاربين منها ولو متأَخِّرين عن الموعد، وعدِ النجاة وعهدِ الخلاص؟
- الشاعر: في ضجَّةِ السكون، سكونِ الخراب والموت، سمعْنا صياحَ الصمت، صمتِ جنوب فُجِّرتْ أَزماتُه، وجُرِّحتْ كلماتُه، فجعل يتسوَّل بين أَطلال المجاعة أَسفًا على ما فاته مِن غنى ممكناته بَعْد ما دُفنتْ قِيَمُ حياته في قبورِ فراغ يهرب من كلِّ امتلاءٍ، ويتردَّى في مهاوي الخوف من أَخطارِ حقيقة بلا ضمانِ عهْد.
- القصيدة: بلا ضمانِ عهد واحد فقط؟
- الشاعر: كلاَّ، بل بلا ضمانِ عهود. أَصبحنا في عدم اللاشيء مِن كلِّ شيء.
- القصيدة: ذلك فقط؟
- الشاعر: لا، بل في ثنائيَّةِ عدم وإِعدام.
- القصيدة: ذلك نذيرُ دهرِ أخطارٍ في صحراويَّةِ عطش؛ لسنا نُرَوِّي ولا نرتوي. لم يبقَ لنا مِن أَمل إلاَّ في البحر.
- الشاعر: لكنه بحرٌ من رمادِ الوطن الذي أَحرقه محبّوه وأَطفأَ نارَه مشيِّعوه في جنازة تلاقى فيها القاتل والمقتول في وحدةِ مثوى الفاعل والمفعول، حيث كلُّنا انتظار لِما يأتي إِذ لا يأتي. نحن اللقاء، ونحن الفراق. يا لَلتناقض!
- القصيدة: حيال التناقض الذي يشرِّد، فيبدِّد، ولا يجدِّد إِلاَّ ما يكبِّد من أُلوفِ أُلوف الخسران – حيال هذا التناقض ينقطع كلُّ اتصال.
- الشاعر: الصبر! الصبر! ظمأُ العمر يستمطر السماء.
- القصيدة: كم قالوا: «شاهدْنا مكانًا يَحزن، أَرضًا تركتْ قِيَم نظامها، عصافيرَ طارت لم تحطَّ، كلابًا عوَتْ تنذر بزلزال... كان جوُّ العشِّ فاترًا، والعشبُ شاحبَ الخضرة».
- الشاعر: ذلك بعضُ ما قالوا في مكان يَحزن وقد أَذنب سكَّانه، فانطبقتْ عليهم أَبواب السجن، وغمرتهم نكبةُ الطوفان. حتى السمكُ الحُرّ غرقتْ أُمَّته في ذمَّةِ المحيط. لكنَّ السمك، مع هذا، بقي وفيًّا للماء نهرًا وبحرًا وأَوجيَّات موج يتعالى على ما حوْله. فكان أَن أُسطول السكَّان، مِن أَكابر الحيتان إِلى أَصاغر السمك البزريِّ اللحم والحسك، - كان أَنَّ أُسطول السكَّان خاض خضمَّ العظائم التي غرقتْ فيها أَجيالُ الجبال ولم يغرق هو - الأُسطول - فيها.
- القصيدة: لمَ؟ كيف؟
- الشاعر: لأَن السمك لا روزنامة لأُسطول طفولته، فهو، على اختلاف النهار والليل، لا يعرف مرورَ الزمن ولا انتهاءَ المكان.
تلك الطفولة الشّعريَّة عينُ براءة لم تعِ ولا رأت تفََّاحةَ الخطيئة التي أَغوت حيَّتُها حواءَ كلِّ جنَّةٍ من جنَّات الفردوس.
إلاَّ أَنَّ البراءة، مع ذلك، لم تزَل في ضميرِ الخطيئة التي لم تكتشف نفْسَها بَعْد، خطيئةِ ما قبْل المعرفة، أَيَّامَ سِفْر التكوين وشِعْرِ بكوريَّةِ الإِيمان: لا ندَمَ بَعْد؛ لا وهْمَ كيان يتوعَّده بيانُ الخوف الذي يخاف مِن نفْسه والذي منه وعليه يخاف سواه.
- القصيدة: لا خوْف على كيان يُنبت حَبَّةَ القمح الذي يُطعم الجميع. لا جوع. لا هجرة. لا منفى اغتراب. كلُّنا للوطن الذي يُنجب فيُخصِب، في مواسم حقول لا تغيب الشمس عنها أَبدًا.
- الشاعر والقصيدة والضمير القارئ (معًا): كلُّنا كلُّنا لهذا الوطن بأَوفى طموحه في ما وراء طبيعةِ أَحلامه وقد حرَّره نذيرُ أموره من استبدادِ أَوهام طالما ضلَّلتْه فأَسلمتْه إلى مشيئةِ أَقداره، فأَذعن لسنَّةِ الموت، خاتمةِ كلِّ ختام.
- الشاعر: لكنَّ الموت لا يحقِّق نفْسَه إِلاَّ رجاءَ أَن يُبعَث سلطانُه حيًّا، كأَنَّ الموت رهين الإِيمان بانتصار الحياة في الدنيا والآخِرة.
- القصيدة: أَو كأَنَّ الحياة فعلُ إِيمان بالدنيا وبالآخِرة في وحدةِ مصير.
- الشاعر: كيفما كان شأنُ حالنا، هذه، لا مفرَّ لنا من جدليَّة الرفض الذي يخالف كلَّ قاعدة من قواعدِ نظام الخلاص.
- القصيدة: قاعدة؟ قواعد؟ إِذًا رمزُ صرْفٍ ونحوٍ وفقْهِ لغةٍ وعلْمِ بيان. دمُ قلمٍ، وأُمُّ كَلِمٍ، وأَبو أُسرةِ صفحاتِ الكتاب.
رحلةُ عمرٍ مِن مسقط الرأس إِلى سقوط النهاية.
- الشاعر: ... أَجَلْ من المسقط إلى السقوط. رحلةُ عُمر إلى دارِ إِقامة لا حاجة فيها إِلى وثائقِ موافَقة على قبول فتجديد.
- القصيدة: إِقامة دائمة؟ إِذاً مدرسة داخليَّة. لا مَنفذ إِلى الخارج.
- الشاعر: هكذا نعود إِلى الخطيئة الأَصليّة، تفَّاحةِ المعرفة، الحُرِّيَّة. كيفما عملْنا لا معدى لنا عن الحرِّيَّة وعمَّا لها وعليها وما إِليها وما عنها.
- القصيدة والشاعر (معًا): لكنْ لا بدَّ من تبعات الحرِّيَّة لكأَنَّ الحُرِّيَّة تَمنعنا الحُرِّيَّةَ؛ إِنْ لم نأخذ بحلالها وننبذْ حرامَها طوالَ رحلة العمر.
في آخِر الرحلة:
أَلا نتواصل، فنتعامل، فنتفاعل، لعلَّنا نتكامل، يومًا ما، بَعْد أَن قاسينا ما قاسينا من نوائب الحطام والحريق وسائر بلايا الزمن الأَسود!
بالتكامل إِيجابًا نَصِل إِذ لا نصل. فما لغزُ هذا الوصول؟
- الضمير القارئ: أَليس لاوصولُنا هذا هو، هنا، معنى الوصول؟
- حوريَّاتُ عُرْسٍ من خارجِ زمنِ الحوار وجوِّه: ... شهْرُ العسل شِعرُ العسل، عسلِ العمر، أَبدَ الدهر فما بَعْد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.