ما أجمل أن توصف بالخوف من الله، وما أجمل أن يعرفك الناس بأنك وقّاف عند أوامر الله؛ لأنك تعرف أنك موعود بالفلاح والنجاح إن اتقيت الله. إن مسألة الخوف من الله ومراقبته أصبحت من لوازم الأمور في وقتنا هذا الذي أصبح يعج بأنواع المغريات والفتن التي تتعارض مع أوامر الله ونواهيه. إنك حينا تجد أنك تحتاج لمن يذكّرك بالله ويخوّفك به كما كان سلفنا الصالح لتعلم أهمية الجليس الصالح الذي يخاف الله ويرجو لقاءه. وعبر هذا الموضوع المهم يحدثنا بعض المشايخ الفضلاء عن هذا الجانب ومدى أهميته في حياة المسلم وأبرز المظاهر التي عرف بها أصحابها بأنهم لا يخافون الله أو عندهم نقص كبير في ذلك، وكذلك ابرز الأمور الباعثة على الخوف من الله فإلى نص الموضوع: تألم القلب بداية تحدث فضيلة الشيخ جابر بن محمد الحكمي مدير عام فرع منطقة مكةالمكرمة مؤكداً ان الخوف من الله سبحانه وتعالى يبعث على نيل الطاعات وترك المنهيات ولا خير فيمن لا يخاف الله سبحانه وتعالى. معرّفا فضيلته الخوف بأنه عبارة عن تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل وقيل: هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره، مؤكداً كذلك ان الخوف لعامة المؤمنين، فكل مؤمن لا بد ان يكون عنده خوف من الله عز وجل. والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم بالله سبحانه وتعالى ومعرفة العبد بنفسه يكون الخوف والخشية، فكلما قوي إيمان العبد وزادت معرفته بربه زاد خوفه وخشيته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» وفي رواية «وأشدكم له خوفا». مشيرا فضيلته أنه مما يدل على فضيلة الخوف من الله سبحانه ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه». رواه البخاري ومسلم، ومما ورد أيضا في فضل الخوف من الله ما جاء في سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلفح النار أحداً بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم». المجاهرة بالمعاصي وحول أبرز مظاهر عدم الخوف من الله أو قلته والتي قد تلاحظ في واقع كثير من الناس يذكر الشيخ ناصر بن عبدالعزيز المحارب الباحث بالإدارة العامة للقضايا والتحقيق بالرئاسة ويشير إلى التعلق بالدنيا والشغف بها وتقديمها على الآخرة، فنجد بعض الناس يحرص عليها ولا يريد أن يفوته شيء منها، وأما بالنسبة للآخرة فلا يفكر فيها؛ بل يجعلها آخر اهتماماته إن كان لها مكان في قلبه لأن الدنيا استحوذت عليه، ومن المظاهر المجاهرة بالذنوب والمعاصي وعدم تقدير الله جل وعلا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فهذه المجاهرة دلالة واضحة على أن العبد قد استهان بالله جل وعلا، فلو تأمل هذا المسكين في عظمة الله وشديد عقابه كما حل بالأمم السابقة لما تجرأ على ذلك، ومن الآثار كذلك يشير المحارب إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا تجد أحدهم يأمر بالمعروف وينصح ويدعو الآخرين للخير رغم الحاجة إلى ذلك، كما تجد كثيراً من الناس يتركون إنكار المنكرات الظاهرة ويسكتون عنها ولا يسعون لتغييرها وهذا دليل واضح على ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله، ومن المظاهر كذلك أداء بعض العبادات والفرائض وترك بعضها، فنجد بعض الناس يحافظ على الصلوات ولا يؤدي صلاة الفجر مثلاً في وقتها مع جماعة المسلمين؛ بل يستمر ويصر على ذلك وبعضهم يتهاون في سماع الموسيقى ويعلم حرمتها وبعضهم يحارب الله بالربا والبعض يقع في الزنا، إلى غير ذلك من الذنوب التي تساهل فيها بعض المسلمين، فالواجب على المسلم الحق ان يعلم أن الله سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأن الله جل وعلا ما خلقنا جميعا إلا لعبادته، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» ومعلوم ان الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبلغ عن ربنا جل وعلا وطاعته واجبة، قال تعالى: {أّفّتٍؤًمٌنٍونّ بٌبّعًضٌ پًكٌتّابٌ وّتّكًفٍرٍونّ بٌبّعًضُ فّمّا جّزّاءٍ مّن يّفًعّلٍ ذّلٌكّ مٌنكٍمً إلاَّ خٌزًيِ فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وّيّوًمّ القٌيّامّةٌ يٍرّدٍَونّ إلّى" أّشّدٌَ پًعّذّابٌ وّمّا الله بٌغّافٌلُُ عّمَّا تّعًمّلٍونّ }. القلب القاسي ويستطرد الشيخ المحارب بذكر الآثار فيقول: ومنها ما يلحظه الكثير منا في واقعه من عدم التأثر والخشوع في الصلوات وعدم التدبر في آيات الله التي لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وكذلك التأثر الوقتي من رؤيتنا للحوادث والوفيات ومن ثم يعود الواحد منا لمعصية الله، ولا شك ان هذا كله راجع إلى قسوة القلب فبسبب الإدمان على الذنوب والمعاصي يحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً، والله جل وعلا يقول: {ثٍمَّ قّسّتً قٍلٍوبٍكٍم مٌَنً بّعًدٌ ذّلٌكّ فّهٌيّ كّالًحٌجّارّةٌ أّوً أّشّدٍَ قّسًوّةْ}، فصاحب القلب القاسي لا تؤثر فيه آيات الله ولا تؤثر فيه المواعظ ولا الحوادث، ويستطرد المحارب بذكر المظاهر فيشير إلى مظهر من المظاهر وهو المكابرة عن قبول الحق فربما لا ينقاد بعض المسلمين للحق أبداً، فحينما نبصر بعيوننا ونناصح نجد البعض يدافع ويكابر وهو في قرارة نفسه يعلم يقيناً أنه على خطأ ولكن يصر على تبرئة نفسه، ومن المظاهر كذلك تسرع بعض الناس في إصدار الأحكام والفتوى في دين الله إذا طرحت في المجالس من قبل بعض الناس والإخبار بأن هذا حلال وهذا حرام مخالفين بذلك نهي الله جل وعلا: {وّلا تّقٍولٍوا لٌمّا تّصٌفٍ أّلًسٌنّتٍكٍمٍ پًكّذٌبّ هّذّا حّلالِ وّهّذّا حّرّامِ لٌَتّفًتّرٍوا عّلّى الله پًكّذٌبّ إنَّ الذٌينّ يّفًتّرٍونّ عّلّى الله پًكّذٌبّ لا يٍفًلٌحٍونّ} فنجد بعض الناس وهو من قلة الخوف من الله إذا طرحت في المجالس مسألة شرعية سارع بالكلام فيها والإخبار عن الحكم مع أنه بعيد كل البعد عن المعرفة فيها وليس عنده دليل ولا قول عالم، فهذه الجرأة على الله جرأة مذمومة فلو كانت المسألة في آلة من الآلات لكان الامر هيناً ولكن دين الله أصبح عرضة لأن يتكلم فيه كل أحد، ولو رجعنا إلى سلفنا الصالح لوجدنا الخوف الحقيقي من الله حيث كانوا يتدافعون الفتيا حتى تدور عليهم وتعود إلى الأول؛ لأن الواحد يعلم الإثم المترتب على أن يفتي بشيء لا علم له به. قدرة الله بعد ذلك يرجع الشيخ جابر الحكمي ليوضح بعض الأمور الباعثة على الخوف من الله والتي منها: أولاً: ذكر الذنوب العظيمة الكثيرة التي سلفت والعلم أن كل صغيرة وكبيرة مسجلة على العبد، قال تعالى: {مّا يّلًفٌظٍ مٌن قّوًلُ إلاَّ لّدّيًهٌ رّقٌيبِ عّتٌيدِ} وقال تعالى: {وّإنَّ عّلّيًكٍمً لّحّافٌظٌينّ، كٌرّامْا كّاتٌبٌينّ، يّعًلّمٍونّ مّا تّفًعّلٍونّ}، فكل عمل ابن آدم مسجل عليه ومكتوب في صحيفته { أّحًصّاهٍ الله و ّنّسٍوهٍ} {وّيّقٍولٍونّ يّا وّيًلّتّنّا مّا لٌهّذّا ا لكٌتّابٌ لا يٍغّادٌرٍ صّغٌيرّةْ وّلا كّبٌيرّةْ إلاَّ أّحًصّاهّا وّوّجّدٍوا مّا عّمٌلٍوا حّاضٌرْا وّلا يّظًلٌمٍ رّبٍَكّ أّحّدْا} ويتذكر كثرة الخصماء الذين سيتعلقون برقبته يوم القيامة ويشكونه بين يدي أحكم الحاكمين كل يشكو مظلمته من حال أو عرض أو غيبة أو نميمة أو كذب أو شهادة زور أو غير ذلك من أنواع المظالم التي تكون بين العباد. فإذا تذكر المؤمن هذا حاسب نفسه، وإذا فعل ذلك فإنه سيجد ذنوباً عظيمة اقترفها ويجد مظالم للناس ضيعها وحقوقاً لعباد الله تهاون فيها، وذلك يبعث على الخوف والخشية، والموفق يعلم أن الله ليس بظلام للعبيد، وأن كل جرم اقترفته يداه في حق عبد من عباد الله سيجازى عليه. ثانياً: ذكر شدة العقوبة، فالمؤمن يعلم أن الله شديد العقاب، ويعلم أن أخذه أليم شديد، ويعلم انه لا يتحمل عذاب جهنم وما أعده الله فيها من الضريع والزقوم والسلاسل والأغلال فهي التي يلقى الحجر من شفيرها فيظل يهوي سبعين خريفاً لا يصل إلى مستقرها، كما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فسمعنا وجبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفا فالآن انتهى إلى قعرها»، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزءٌ من نار جهنم، قالوا يا رسول الله: إن كانت لكافية، قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها»، وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» فينبغي للمسلم قبل هذا أن يتذكر انه ميت وللدنيا مفارق ولا منجى من الموت لأحد من الخلق، ويتذكر شدته وكربته، ويتذكر القبر وما فيه من الضيق والضنك والحر وعدم الأنيس والصاحب، ويتذكر البعث يوم يقوم الناس لرب العالمين ويخرجون من قبورهم حفاة عراة غُرْلاً يفر الواحد منهم من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه، {يّوًمّ تّرّوًنّهّا تّذًهّلٍ كٍلٍَ مٍرًضٌعّةُ عّمَّا أّرًضّعّتً وّتّضّعٍ كٍلٍَ ذّاتٌ حّمًلُ حّمًلّهّا وّتّرّى پنَّاسّ سٍكّارّى" وّمّا هٍم بٌسٍكّارّى" وّلّكٌنَّ عّذّابّ پلَّهٌ شّدٌيدِ}، فحري بمن يعلم كل هذا ان يخاف من الله ويخشى من سطوته وغضبه. ثالثاً: ذكر قدرة الله عليك متى شاء وكيف شاء فالله لا يعجزه شيء وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون. رابعاً: ذكر ضعفك عن احتمال العقوبة فمن يستطيع احتمال عقاب الله سبحانه؛ لا أحد يستطيع ذلك. ثمرات الخوف من الله بعد ذلك يشير فضيلته لثمرات الخوف من الله والتي منها أنه يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي التي كانت محببة إلى النفس مكروهة، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحسد والحقد ويصير مستوعباً الهم لخوفه من ربه عز وجل وينظر في خطر عاقبته. وفي الختام يؤكد الشيخ الحكمي على ان الخوف من الله سبحانه وتعالى له إفراط، وله اعتدال، وله قصور، والاعتدال هو المطلوب من المؤمن . فالخوف المفرط الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج الخائف إلى اليأس والقنوط فهو مذموم مخالف لنصوص الكتاب والسنة، فيجب على المسلم أن يتذكر رحمة الله وسعة فضله وإحسانه ويتذكر أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: {قٍلً يّا عٌبّادٌيّ الذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ الله إنَّ الله يّغًفٌرٍ الذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ پًغّفٍورٍ پرَّحٌيمٍ}. وكذلك الأمن من مكر الله ومن عقوبته ونسيان مخافته هذا أيضا غير محمود بل هو منهي عنه فيجب على المؤمن أن يخاف من ربه ويخشاه ويتقيه الخوف الذي يمنعه من فعل المنهيات ويسوقه الى فعل الطاعات فهذا هو المحمود والمطلوب قال ابن رجب: «والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات كان ذلك فضلاً محموداً، فإن زاد على ذلك أورث مرضاً أو خوفاً أو هماً لازما بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة من الله عز وجل لم يكن ذلك محموداً. * إدارة العلاقات العامة والاعلام بالرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر