تبدلت أحوالُ الزمان.. وأصبح الإنسان يعيش صراعاً مريراً في كل آن.. إنه صراع البائس المسكين الذي ألهب في داخله حب الدنيا والتذلل لسلطانها.. وسمح لسكناته ونظراته وتأملاته أن تأسرَه في ذلك القفص المهين الذي يُسمى «المصلحة الشخصية» .. وبدأ يتخبط في هذا العالم المشحون.. مبتعداً شيئاً فشيئاً عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.. ومتجاهلاً للأخلاق الحميدة المستمدة من شريعتنا السمحة.. أخذته إلى جحيم الدنيا خطواتُ الشيطان.. فانتُهكت حرمات الإنسان من أخيه الإنسان.. لا حقوق ولا واجبات.. فلا الصغير يحترم الكبير.. ولا الكبير يعطف على الصغير.. وبر الوالدين أصبح من أخبار الزمان.. ومكانة الجار لم يعد لها مكان.. واحترام المعلم انقلب إلى نكران.. وأمسى الوفاء لفظاً في عالم النسيان.. والإخلاص والولاء استبدلا بالغدر والعصيان.. والإساءة دفنت الإحسان. اختلطت كل الأمور.. فضاعت القيم وسحقت معانيها الجميلة.. لم يعد هناك كرامة أو مروءة أو شهامة.. وسيطرت الانهزامية على روح الإنسان.. تسيِّره مصلحته الشخصية الآنية وفقاً لمعاييره القاصرة وبصيرته الأسيرة.. وغدا آلة تحركها أزرار المصلحة.. فأحد تلك الأزرار لابتسامة كاذبة.. وآخر للغش والخداع.. وثالث للرياء والنفاق.. ورابع وخامس ومائة ألفٍ مسخَّرةٌ كلها للشر والعدوان.. «آلة صماء في صورة إنسان» ولا حول ولا قوة إلا بالله.