خادم الحرمين يبعث رسالة لرئيس إيران    أمير تبوك في حفل تكريم «الذيابي»: مكانك بيننا في مواقع أخرى تخدم المنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على العيسى    أمراء المناطق يستعرضون الأولويات الاستثمارية والتنموية والبيئية    بورصة لندن للمعادن تدرج ميناء جدة الإسلامي    لا فصل للمرأة العاملة أثناء الحمل أو إجازة الوضع    إعادة تقييم الكربون كمورد اقتصادي    تقدم وتنافسية    مجموعة"stc" تدعم السياحة الداخلية وزوار المصائف    وزير الصناعة والثروة المعدنية يدعو الشركات التشيلية لاستغلال الفرص في بالمملكة    وزير «الموارد»: السعودية سنّت قوانين صارمة لمكافحة الاتجار بالأشخاص    إشادة أممية بقرار "العدل الدولية" بعدم شرعية الاحتلال    غارة إسرائيلية تستهدف قيادياً في حزب الله    محافظ جدة يشيد بجهود"واس"    النصر يتعادل سلبياً مع لوسيتانو البرتغالي في ختام معسكره بالبرتغال    الاتحاد يواجه فارينزي في ثالث وديّاته    تصّدر التصفية الثالثة في سباقات السباحة.. السراج ينهي مشاركته الأولمبية بالمركز الأول    ثلاث بطولات مرتقبة تتصدر منافسات الأسبوع الخامس في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    «العدل»: تداول 500 ألف عقار عبر البورصة العقارية    الشمراني في القفص الذهبي    وزارة العدل: تداول 500 ألف عقار عبر البورصة العقارية    مجلس الوزراء يوافق على نظام سلامة المنتجات    المملكة تعد بنسخة استثنائية لكأس العالم    هل يجب أن تتصرف بناء علي مشاعرك وإحساسك؟    عبدالوهاب المسيري.. 15    مدرسة (البلاد) وناظرها عبدالمجيد شبكشي 2-1    4 جوائز عالمية للسعودية في أولمبياد الكيمياء الدولي 2024    «زواج اصطناعي».. المسرحية الأولى ل «مي عزالدين» في جدة    سفارة المملكة في إيرلندا تكرّم رائدات سعوديات بارزات    «الرابطة» في مؤتمر «الإفتاء»: «وثيقة مكة» حملت حلولاً للقضايا العالقة    أمير القصيم يطّلع على برامج "التجمع الصحي"    5 نصائح للجري الصحي والآمن    بكتيريا الفم تقتل سرطانات الرأس    نائب أمير الرياض يثمن دعم القيادة الرشيدة للمشروعات التنموية بالمنطقة    تتويج عالمي    منتخب جازان بطلاً لبطولة المنتخبات الاقليمية    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على محمد العيسى    حرم عبدالله علي أحمد قرامش في ذمة الله    السعودية ضمن أكبر 20 سوقا للمركبات في العالم    لماذا أنت يا سيدي!    صانعو المفاجآت..!    الشك في الطيران    إحصاءات إسرائيلية    موظفون بعد نهاية الدوام !    وزير الصحة: ما حققه برنامج تحول القطاع الصحي من منجزات امتداد لمستهدفات رؤية 2030    الإطاحة بخمسة مروجين للمخدرات    انطلاق فعاليات النسخة الثالثة لكتاب المدينة    حملة دبلوماسية لردع «إسرائيل» عن قصف بيروت    "ناظر" ترسم طريق "استدامة الأوقاف" بطرح أربعة برامج مجانية    إرشادات للحفاظ على الأدوية بالحرارة العالية    فهد بن سلطان يحتفي بالذيابي    التويجري: جرائم الاتجار بالبشر تحتاج تضافر الجهود    الأمراض تتفشى مع انهيار نظام جمع النفايات في غزة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير الهند لدى المملكة    سفارة المملكة في أيرلندا تكرّم رائدات سعوديات بارزات في مجالات متعددة    بن مشيط يدشن الحافلة التوعوية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    المفتي العام يثني على جمعيتي البر وتحفيظ القرآن بالمحاني    عقبات الحياة يجب أن تحيينا لا تنهينا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في خاطري شيء .. أمراض العصر
نشر في البلاد يوم 22 - 07 - 2008

هل صحيح انني عندما انظر الى الدنيا من خلال منظار اسود أرى كل ما في الوجود ظلاماً دامساً؟ وهل صحيح ان مقالاتي تتسم، في غالب الاحيان بنظرة الشؤم الى الناس والاشياء، وكأنني عانس لم يحالفها الحظ ..؟هذا على الرغم من الغلالات التي اغلف بها كتاباتي، على الرغم من طلائها بالمعاجين السكرية كي يتسنى للقارئ ان يبتلعها - كما يبتلع حبة الدواء - دون ان يسشعر بطعم المرارة او يرى طيف التشاؤم امام ناظريه؟ !
وهل صحيح انني لا ارى من الدنيا سوى وجهها الكالح المالح ..واتغاضى عما تحوي من حب وجمال ..وحسن وبهاء ..وطيبة وشهامة ..فلا اتحدث الا عن البشاعة والبغض وتدهور الاخلاق وانحطاطها؟
ولماذا احمل دوماً " السلم بالعرض " فاخلق لنفسي المتاعب ولشخصي طائفة من الاعداء الذين يضمرون لي الحقد والبغض والكراهية؟
وهل صحيح ان البشر قد تغيروا مع تطور العصر ..ومع " مادية " الحضارة فأصبحت تلك الصفات الرائعة التي اشتهر بها من تقدمنا موضة عتيقة بالية، واسطورة لا نجدها الا في بطون الكتب ومجاهل التاريخ؟
هذه الامور مرت في خاطري وانا امسك القلم لاكتب مقالا بهذا المعني وهذا الخصوص وجوبي ان هذا صحيح الى حد كبير، فقد فسدت الاخلاق الى درجة لا تصدق، واصبحت الدنيا غابة تسرح فيها الذئاب وتمرح، يأكل قويها الضعيف، والكبير فيها الصغير ..واختلط حابل الناس بنابلهم، وقمحهم بزؤانهم وجيدهم بالرديء .
ونحن نعيش في وقت لم يعد من الهين فيه ان تتعامل مع زيد، او تتفق مع عمر ..او تشارك انسانا دون ان تكون المحاكم بينكما هي خاتمة المطاف، وصار على الواحد منا في غالب الاحيان ان يعد اصابعه كلما صافح شخصاً لئلا تكون احدى هذه الاصابع قد " ذهبت مع الريح " ..
انه عصر لم يعد فيه لكلمة الشرف من احترام، وللنزاهة تلك المكانة المرموقة التي كانت لها في ماضٍ من الازمان .. الخدمة العامة ..والاثرة ..والترفع ..صارت كلها كلمات جوفاء يتوسل بها الكثيرون كي يصلوا الى ما يبغون من شهرة ومجد .. فبقدر ما يكون المرء كاذباً مخادعاً ..يوفق في الحياة وينجح في الاعمال ..وتقبل عليه الدنيا بغير حساب ..وبقدر ما تحسن الى الآخرين تلاقي الجحود ونكران الجميل ..وعليك بالتالي ان " تتقي شر من احسنت اليه " ..لقد فسدت الاخلاق الى درجة صرت تخاف فيه ان تدير ظهرك حتى الى اقرب المقربين اليك ..
فالنميمة صارت من الفضائل المستحبة ..والكذب والرياء من شروط التمدن والحضارة ..
ان اقمت حفلة او عرساً او مأدبة ودعوت اليها بعض الاصدقاء وتكلفت من الجهد والمال الشيء الكثير ..فما ان يأمن مدعووك ان باب منزلك قد اغلق وراءهم يبدأون بالنقد والتجريح والغمز ..والتنكيب عليك ..والطعام لم تهضمه معدهم بعد ..والغريب ان الناس بقدر ما تكون صلتك بهم وثيقة كصلات القربى او الصداقة الحميمية مثلاً، ازدادت عندهم " فصيلة " الحسد منك ومن نجاحك ..
فالتاجر يغشك في الاسعار وفي نوعية السلعة التي تبتاعها منه ..ويخدعك عند تقديم النصيحة التي كانت تساوي جملاً في الزمن الماضي .. والصهر القريب يعتقد انك وحدك دون سائر البشر الذي يقف حائلا بينه وبين النجاح والمجد والثراء ..ولعل من ابشع امراضنا في هذا العصر ما بلغته الاخلاق من تهتك وما وصل اليه بعض الناس من سوء الامانة ..فأين الذي كنت في الزمان الماضي تأتمنه على المال ..والعرض ..وكلمة الشرف؟
فأين الذي كان لا يتاجر بسمعة الغير ..واسرارهم ..ويخفي عيوبهم والمساوئ؟
ان جلود الكثيرين من الناس قد تمسحت فلم يعد اصحابها يهتمون لما يقال عنهم من كلام مهين وما ترمي بهم من تهم صادقة .. وان الواحد منهم صار يبلغ الف اهانة مقابل ان تقضي حاجته؟ اما الشهامة والفروسية والكرم التي اشتهرنا بها نحن العرب، فقد اصبحت من مستحيلات هذه الايام، وصار المرء لا يفكر الا في المال وجمع المال وكيفية الحصول عليه ..اقرب المقربين اليك واصفى خلصائك وادنى اقربائك يلتفون حولك ما دمت في مركز القوة والثراء ..اما اذا احسوا منك ضعفاً ..او اشتموا فيك حاجة الى المال ابتعدوا عنك وغسلوا ايديهم من " تهمة " التقريب إليك؟
ان كان الانسان غنياً موسراً وبلغ سن الشيخوخة ..انتظر ورثته انتقاله الى العالم الآخر على احر من الجمر ليقتسموا الغنائم ويتوزعوا فيما بينهم على أهون سبيل ما جمع الفقيد في حياته الطويلة من مال وعقار؟ اما اذا كان فقيراً مملقاً، فهو محتقر في شيخوخته ..يعيش وكأنه عالة على اهله واقربائه ..
اجل ..لقد عم الفساد وتطورت الاخلاق نحو الاسوأ والأبشع ..وتقلصت كثيراً تلك الصفات الحميدة التي طالما باهينا بها الناس في مختلف العصور ..
وهذا طبعاً لا يغني ان الكرام قد فقدوا من الدنيا، وان الشهامة والكرم والامانة والفروسية التي طالما كانت من صفات اجدادنا قد اختفت وولت الى غير رجعة ..
وهذا طبعاً لا يغني ايضا ان نفكر بالقيم وان يقف المسؤولون منا - فكرياً - مكتوفي الايدي ..ولن يقنط الكتاب والادباء والمصلحون من شحذ الهمم وتبيان موضع الخطر .
فالاديب الحقيقي هو كالرسام ينقل على الورق ما يحس به وتراه عيناه ..اما الاديب الذي يتحاشى نقل الصورة كما هي ..ويتعمد ابرازها مغلوطة ويكتب غير ما يضمر، فهو لا يبغى سوى الشهرة وارضاء الجماهير ..لذلك فلست ارى اي ضير في من يعالج امراض العصر لو انه نظر الى الدنيا في كثير من الاحيان نظرة شؤم ..ومن خلال نظارة سوداء .
مالك ناصر درار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.