عندما ألقيت محاضرتي عن خصوصية الأدب السعودي في مؤتمر الأدب السعودي الثالث - على ما أذكر- امتعض البعض، واستبعد آخرون مبدأ الخصوصية، بل امتعضوا من مصطلح [الأدب السعودي] اكتفاء بمصطلح [الأدب العربي]، وما ضقت ذرعًا بشيء من ذلك، فكله من الاختلاف المشروع والمعتبر، وأي رأي سديد لا يؤصل معارفه ولا يحرر مسائله إلا الاختلاف متى أدير بمهنية واحترام متبادل بين أطراف النزاع. المدمر للقضايا: الشخصنة، والأثرة، واحتكار الحقيقة، وتجهيل المخالف. مصطلح [الأدب السعودي] لم يصر إليه ترفاً، ولا مباهاة، بل فرضه تهميشه في عقر داره. المعروف أن التعليم الجامعي كان في بداياته بيد الوافدين، من مختلف أصقاع البلاد العربية. البعض منهم لم يهمش الأدب وحسب، بل مارس الإقصاء للكفاءات الوطنية. أمضيت في التعليم الجامعي أربعة عقود أكثرها في فرع جامعة الإمام في القصيم، ووقفت على حيثيات تقرير مادة [الأدب السعودي]. هذا المقرر لم يكن الخيار الأول، الخيار الأول كان تقسيم ساعات [الأدب العربي] بينه وبين الأدب السعودي، ولكن المتعاقدين رفضوا تدريسه لجهلهم به، وهذا سبب مجيئي لفرع الجامعة لتدريس الأدب السعودي بالمحاصصة مع [الأدب العربي] لأنني الوحيد -ربّما- في القصيم آنذاك الذي يحمل شهادة الماجستير في الأدب السعودي، الآن لسنا بحاجة إلى مادة [الأدب السعودي]لأنه ملك الندية، وحقق الانتشار محلياً وعربياً. لقد أنجزت عشرات الرسائل العلمية عنه محلياً وخارجياً، وتسابق النقاد العرب في دراسة أطراف منه، كما أسهمت الأندية الأدبية بتنفيذ الندوات والمؤتمرات التي تناولت جوانب منه. أما مشروعية الخصوصية فهي قائمة وليس لها تأثير. العالم العربي بين أقاليمه اختلافات جوهرية، والأدب صدى الحياة، ولا يمكن الجمع بين الأدب في لبنان زمن الأمن والاستقرار والأدب في مكة أو في صحراء نجد بالتزامه الأخلاقي والديني. أحسب أن لكل أدب في أي قطر عربي سماته الخاصة به. والخصوصية سمة وليست تميزاً. مثل هذه الدراسات تتلمس الأبعاد: الدلالية، والفنية، واللغوية، ولا تدخل في المفاضلة. على أن نشأة الأدب السعودي فرضت إجراءات لا تصلح إلا له، وعلى المشتغلين في تاريخه فهم هذه الإشكاليات.