القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمير نجران: ترسيخ مكانة المملكة بين الدول    رؤية السعودية 2030 في عامها التاسع.. إنجازات تفوق المستهدفات ومؤشرات توثق الريادة    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    القيادة تهنئ رئيسة تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    أمير عسير: نجاحات متتالية لمستهدفات طموحة    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    قدامى الشباب ينتقدون نتائج توثيق البطولات    نقطة تحول فارقة في التنمية الوطنية    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    ترامب يحض على عبور "مجاني" للسفن الأميركية في قناتي باناما والسويس    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    101.5 مليار ريال حجم سوق التقنية    تصاعد التوترات التجارية يهدد النمو والاستقرار المالي    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    حين يعجز البصر ولا تعجز البصيرة!    32 مليون مكالمة ل 911    مكافحة المخدرات معركة وطنية شاملة    التحول الرقمي في القضاء السعودي عدالة تواكب المستقبل    قوانين الفيزياء حين تنطق بالحكمة    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب إلحاد السينما
عين التكنو
نشر في الجزيرة يوم 30 - 10 - 2020

من النادر أن تجد فيلماً سينمائياً جيداً ينتصر للدين، ويعطي لمظاهر التديّن والعبادات قيماً إيجابيةً. ولهذا تفسير تاريخي، فيتزامن ظهور السينما مع مرحلة انحِطاط الدين في أوروبا، وهي مرحلة التغيير البشري الأكبر في التاريخ المعاصر. فمع منتصف القرن التاسع عشر بدأت البشرية تجني ثمار الثورة الصناعية التي انبثق عنها الثورة التكنولوجية، والإيمان المُطلق بقدرات الآلة، وبالمقابل موت الروح، وسقوط كل المفاهيم الدينية، حتى تحولت الكرة الأرضية إلى عالم مادي محض.
عندما بدأ القرن العشرين، كانت السينما اختراعاً جديداً في أوروبا على خلاف باقي الفنون الأخرى، والسينما بطبيعتها مرتبطة بعصرها و زمانها، فهي مزيج بين التكنولوجية كالشاشات والكاميرات، والفن عبر القدرة البشرية على التعبير المرئي. ومن هنا يتضح لنا أنَّ أهمية السينما تتمثل في كونها الأصل لفكرة الشاشة التي تسيطر اليوم على الوجود البشري، وتُميز الإنسان عن الحيوان، لأنه المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يمسك بشاشة في يده يُعبر من خلالها عن وجوده في هذه الحياة.
دخلَ القرن العشرين بحرب عالمية غيرت شكل العالم كله، بما فيه الدين ، والقيم الدينية، وبزغَت شمس العالم الجديد الذي ينطبق عليه فعلياً تنبؤ فريدريك نيتشة في كتاب «العلم المرِح»، حين قالَ: «لقد مات الإله. ونحن الذين قتلناه. كيف لنا أن نعزي أنفسنا ونحن قتلة؟» ورغم أن العبارة صادمة، وبنيَت عليها تفسيرات خاطئة، خارج سياقها الصحيح، إلاَّ أنها تصف جوهر القرن العشرين بدقة متناهية. لأن لم يقصد نيتشة الإله في ذاته، بل كان يقصد موت الإيمان بالدين داخل أوروبا المسيحية ، بمعنى موت دَوْر الدين كسلطة اجتماعية وأخلاقية وسياسية. وبالتالي نجد أن التكنولوجية حلت محل الإيمان بالدين. وعلى المستوى الفلسفي، انتشرت أفكار كارل ماركس التي قدمت شرحاً عظيماً عن عيوب الثورة الصناعية و الرأسمالية. لأن الرأسمالية تتحكم في الاقتصاد ولكنها تعجز عن حل المشكلات العمومية التي يشترك فيها كافة الطبقات الاجتماعية ومن ضمنها مشكلات طبقة العُمال، لذا قدمَ ماركس نظاما بديلا اشتراكيا، يتشارك فيه كل أطياف المجتمع، وبعدها، تحولت أفكار ماركس إلى ممارسات سياسية بقيادة فلاديمر «لينين» وليو تروتسكي، وبدأت ثورة العمال، ثم تدريجياً، انتهت الإمبراطوريات والعروش العظمى، وكل أشكال الحياة القديمة ، واستسلمت البشرية للانتقال للعالم الجديد.
وبدأت تتشكل دولاً جديدة ، بمفاهيم جديدة ، ولكن البشرية لم تتجاوز الحرب العالمية الأولى بشكل كامل، ومع ذلك أيضاً، ظهرت عيوب ممارسات نظريات ماركس، وفشل التطبيق، وتحول أحفاد العمال الفقراء إلى سلطات مطلقة، أحبوا القوة التي وصلوا إليها، وأحبوا الغنى بعد الفقر، وظهرت مفاهيم تاريخية جديدة مثل التوتاليتارية والفاشية والشيوعية، و شملَ ذلك ظهور هتلر حالة فريدة، فهو متعصب جداً لقوميته، وحفز في خطاباته (وكان يعنيها بالكامل) على الانتماء العرقي الآري الجرماني، الذي شَملَ عداء اليهود كمنظومة عرقية أوروبية تعمل على التعصب العرقي والمركزية العرقية، فنشب صراع عِرقي ضد اليهود الأشكناز (الذين يصنفوا أنفسهم أذكى عرق في أوروبا)، وكانوا من أكبر ضحايا الحرب العالمية الثانية. فقد كان هتلر متأثر بالتاريخ القديم أو الما قبل الحرب العالمية الأولى، ومهووس بالقيصرية الألمانية، وكان يفكر بنفس الطريقة القديمة، ويتصور أن الزمن لازال يستوعب بناء قيصرية ألمانية جديدة، وأدى ذلك إلى دمار العالم مرة أخرى، وموت كل مخلفات العالم القديم ودفنها كاملاً. وبالنهاية عادة التكنولوجيا كالعنقاء تنهض من الرماد، لتحدد معالم العصر الجديد.
بالتالي، ازدهرت السينما في لحظة التغيير الكبرى، أو بشكل أدق، لحظة تحول معايير الحياة من الإيمان بالرب إلى الإيمان بالقيم المادية، بمعنى أننا لو فكرنا في كل معاني الحياة بما فيها الأخلاق، فلا ننظر لها من جانب ديني، بل نجرد كل المعاني من الدين إلى المادة، فلا يوجد جسد وروح، بل يوجد جسد فقط، وحتى على مستوى المعرفة نجد تهميشاً للميتافيزيقيا وكل ما هو غيبي، والاكتفاء بإدراك الحياة من منظور شكلي مادي فقط، مع الاعتماد على قدرات التكنولوجية.
إذن، كانت السينما منذُ نشأتها متحرِّرَة من ارتباطها بالدين وذلك نتيجةً لتحرُّر زمانها منه. وحتى الأفلام الدينية عبر التاريخ (وفي أغلبها قصص النبي عيسى بروايات مسيحية) تظهر بشكل سطحي ومباشر، وتخدم أفكاراً تسويقية للدين، ولا تحظى بتقديرات ولا امتيازات، بينما الأفلام التي تُقدم معاني مادية للدين، والتي يمكن تصنيفها بأفلام ضد الدين التي تعرض الشخصيات الدينية داخل سياقات غير محترمة ومبتذلة؛ تلقى قبول كبير وتسويق جماهيري واحتفاء نقدي عبر تكريمها والكتابة عنها والإشادة بها.
ولو نظرنا لتاريخ الفنون قبل السينما نجد أن مسألة تديُّن الفنون ليست سلبية دائماً، ولم تكن الفنون ملحدة، فالدين في جوهره لا يعارض الفن. ولكن الاهتمام العام بالدين في بيئة ما ينعكس أثره على الفنون التي تظهر من هذه البيئة. فقد كانت المواضيع الدينية في عصر النهضة أعظم النماذج الفنية في التاريخ، وظهرَ مايكلو أنجلو و ليوناردو ديفنشي، و دانتي أليغييري، ثم ظهرت أشد الموجات الفنية تديناً وهي أسلوب الباروك، وظهرَ باخ، ثم بيتهوفن. لأن الفن صنعة تركز على الكيفية والإتقان والجودة بغض النظر عن المعاني الكبرى. ولنتذكر عندما اكتشف الألماني يوهان غوتنبرغ آلة الطباعة الحديثة، اختار الإنجيل كأول كتاب يطبعه، وذلك اهتمامات عصره، بينما ظهرت السينما في عصر انحطاط الدين وكانت ولازالت مرآةَ زمانها. وكما ورد عن عمر بن الخطاب قوله: «الناس بزمانهم أشَبهُ منهم بآبائهم». لذا ليست السينما ملحدة إلا بسبب إلحاد القرن العشرين.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.