القادسية يتغلّب على الشباب بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الدفاع المدني ينبّه: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    زيلنسكي: لن نقبل بأي مفاوضات حول أوكرانيا دون مشاركتنا    بحضور وزير الثقافة... هيئة التراث و"الإيسيسكو" توقعان برنامجًا تنفيذيًا    مجموعة stc تعزز ريادتها في الذكاء الاصطناعي خلال LEAP 2025 وتوقّع أكثر من 75 اتفاقية إستراتيجية    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق المرحلة الثانية من إستراتيجية البحث العلمي والابتكار    ديوانية القلم الذهبي تعقد أولى جلساتها النقاشية بحضور مجموعة متميزة من الأدباء والمثقفين    مدير الأمن العام يدشن مركز المراقبة الميداني بالإدارة العامة لدوريات الأمن    "للمرة السابعة في المملكة" .. حلبة كورنيش جدة تشهد انطلاق جولتي بطولة "إيه بي بي فورملا إي"    الملك وولي العهد يهنئان كونستانتينوس تاسولاس    "عِلم" تختتم مشاركتها في مؤتمر ليب التقني 2025    «الكرملين»: الرياض مناسبة لعقد مباحثات الرئيسين الأمريكي والروسي    الرئيس الرواندي يستقبل رئيس اتحاد الغرف والمستثمرين السعوديين    عسير: القبض على مخالف لتهريبه 49350 قرصاً خاضعاً لتنظيم التداول الطبي    صافرة مكسيكية تضبط "كلاسيكو" الأهلي والنصر .. وفنزويلية للشباب والقادسية    بتوجيه من ولي العهد.. استحداث إدارة عامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص ترتبط بالأمن العام    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مواطنيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الواصل: إطلاق أكثر من 23 مبادرة من بينها معارض الكتاب    المشهورة إيلاف الزهراني: دجال أوهمني بأن داخلي جنياً    بريطانيا تعلن تخفيف القيود الاقتصادية على سورية    المملكة تدين تفجيري قندوز وكابل الإرهابيين    أكثر من 949 مليار ريال الودائع الادخارية والزمنية بنهاية عام 2024م لتبلغ قمّتها    سعود بن نهار يطلع على أعمال فريق تهيئة وسط البلد    شراكة استراتيجية بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لدعم الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية    الإبراهيم: تريليون دولار احتياج البنية التحتية في 10 سنوات    "رمز أحمر" ب"مركزي القطيف" يخلي 10 أقسام والدفاع المدني يسيطر على الحريق    المالية وصندوق النقد الدولي يستعدان لإطلاق مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تطلق مشروع «الحي الإبداعي»    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    رئيس الوزراء المصري: نبذل جهوداً لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    تدشين الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    انطلاق مؤتمر القصيم السابع للسكري والغدد الصماء بمشاركة نخبة من الخبراء    أمير نجران يُكرِّم مدير فرع المجاهدين بالمنطقة سابقًا    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الفنون والثقافة والاقتصاد الإبداعي النيجيرية    «أخضر» 20 في اختبار «النشامى»    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    نائب أمير مكة يشهد تخريج 19,712 طالباً وطالبة في جامعة المؤسس    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    «السكري» يكتفي بالتعادل أمام الوكرة    بيلينغهام: الريال حقق فوزاً مستحقاً في ملعب السيتي    4 حالات لاسترداد قيمة حجز حجاج الداخل    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    5 خرافات عن العلاج بالإشعاع    أوبك تثبت توقعاتها حول الطلب على النفط    السعودية" أرجوان عمار" تتوج برالي أبوظبي باها 2025م    الاحتلال في الجنوب والسلاح المنفلت يهددان استقرار البلاد.. سيادة الدولة.. أولوية الإدارة اللبنانية الجديدة    رئيس وزراء باكستان: المملكة صديق موثوق.. ندعم سيادتها وسلامة أراضيها    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    والدة إلياس في ذمة الله    نادية العتيبي سعيدة بالتكريم    "تعليم شرق الدمام" يحتفي بالفائزين في تحدي القراءة    تعب التعب    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإرادة والتأويل" للكاتب الجزائري جمال مفرج . نيتشه "العربي" بعقل نقدي وايمان
نشر في الحياة يوم 04 - 02 - 2009

يحتلّ المفكر الألماني نيتشه في تاريخ الفكر الغربي الحديث مرتبة مثيرة ومحيّرة، مثيرة لأنه سار عكس التيار الذي ألّه العقل وأسقط الحواس من ديكارت الى كانط وصولاً الى هيغل، وسار عكس الأفكار والمعتقدات والقيم التقليدية المنتشرة في عصره باسم الحداثة. ومحيّرة لأن نتاجه أضحى اليوم بعد إهمال استمرّ طوال حياته، مرجعاً للدراسات التي تتناول علاقة السلطة بالمعرفة، وتتناول المسائل التي عالجها نيتشه ومنها"نهاية الميتافيزيقيا"و"انهيار القيم"و"القضاء على الأخلاق"و"تطبيق المنهج الجينالوجي".
لا شك في أن أحد العناصر الرئيسة التي تفسّر ما يلقاه نتاج نيتشه وشخصه من اهتمام متصل حتى الوقت الراهن، يعود الى ان الباحثين يرون فيه"السائل الأكبر"الذي عرف كيف يختمن المسائل الفكرية التي يُنهك الفكر الغربي نفسه في حلها في أيامنا الحاضرة، وعرف في أيامه كيف يناظر الفلاسفة، ويجادل أهل الميتافيزيقيا، ويحاور أهل العقائد ويسفّه أحلام كثير من العلماء.
هذا، وكما أيقظ نيتشه بعد موته اهتمام المفكرين الغربيين، فإنه أيقظ لدى المفكرين العرب اهتماماً خاصاً جداً، وهذا ما يظهره كتاب الجزائري جمال مفرّج، بعنوان"الإرادة والتأويل ? تغلغل النيتشوية في الفكر العربي"الدار العربية للعلوم ? ناشرون والاختلاف. هذا الاهتمام أوّل ما ظهر عند اللبناني فرح أنطون 1874 - 1922 الذي نشر في مجلته الجامعة سنة 1904 مقالاً مسهباً مداره نيتشه. والظاهر انه اجتهد لإخراج ترجمة كاملة لكتاب"هكذا تكلّم زرادشت"ولكنه لم يوفّق في إنجازه. والكاتب العربي الثاني الذي عُرف انه عميق التأثر بنيتشه كان سلامة موسى. فقد نشر هذا الاشتراكي عام 1909 في"المقتطف"مقالاً عن نيتشه بعنوان"نيتشه وابن الإنسان".
وفي ما بعد، نجد ميخائيل نعيمة في كتابه"مرداد"وهو لم يذكره الكاتب الجزائري يتأثّر بالتقليد النيتشوي. فكتاب"مرداد"المنشور عام 1948 يشتمل على تعاليم"مرداد"، في أسلوب نيتشوي تام الملامح. والكاتب اللبناني جبران من الذين لفحتهم أفكار نيتشه وهو أمر لم يأت على ذكره مؤلّف الكتاب ايضاً، فجبران بحسب ما هو معروف اطلع على أفكار نيتشه وكتاباته في باريس عام 1910 على ما يذكر صديقه يوسف الحويّك:"يا حبّذا يا جبران لو حاولت أن تضحك... أخشى ان تكون مطالعة نيتشه قد استهوتك وأثّرت فيك. أنا لا أتذوّق هذا الفيلسوف الذي انتهى الى الجنون".
يذكر الكاتب الجزائري جمال مفرّج ان المفكرين العرب توجهوا نحو نيتشه، مسترشدين باعتبارات نظرية خالصة، وإما باعتبارات ذرائعية. بعضهم يرى في أفكاره وسيلة لإصلاح العالم العربي المتخبّط في التقاليد البالية، والبعض الآخر يرى فيها وسيلة تفتح أمام الفرد آفاقاً وسيعة في مجال القوة والثقة بالنفس، وتحرير الحياة من المسكنة والذلّ والتغلّب على ما ورّثته الأجيال من عقائد موهنة للعزم.
وينبغي القول ان الذين اتجهوا الى نيتشه لاعتبارات ذرائعية على ما يرى الكاتب هم مفكّرو التقدم والانحطاط. وهم المفكرون الذين تطرّقوا الى موضوع انحطاط الأمة العربية من منطلق الإيمان بالتطور والتمدّن والتجديد، وعلى رأسهم فرح أنطون وسلامة موسى ومرقص فرج بشارة وفيليكس فارس وعبدالرحمن بدوي وهشام شرابي. وإذا كان فرح أنطون رأى ان مبادئ نيتشه تحتوي على كثير من الحقائق الضرورية للحياة، وعلى أبناء الشرق أن يطّلعوا عليها ليسدّدوا نفوسهم بها، وإذا كان سلامة موسى يرى في نيتشه المحرّض على ضرورة الخلاص من أسر الفكر الغيبي، فإن المصري مرقص فرج بشارة رأى في نيتشه رمز الحرية والتحرر من القيم الرجعية الكامنة في التقاليد والعادات واللاهوت والغيبيات. أما اللبناني المتمصرن فيليكس فارس، مترجم كتاب"هكذا تكلّم زرادشت"فيبدأ مقدّمته للكتاب ببيان مكانة نيتشه، وتأثيره العظيم في أفكار البشر، وضرورته للعالم العربي، فيقول:"إن ما نراه في حاجة الى الوقوف عنده من فلسفة نيتشه في كتاب"زرادشت"الذي لم تفته قضية اجتماعية لم يقل فيها كلمة كان لها دويها في العالم الغربي إنما هو هذه المبادئ التي تجتث ما غرست قرون العبودية في أوطاننا من استكانة، في حين ان روح شرعتها يهيب بالنفس الى جهادين في سبيل الوطن والإنسانية جمعاء".
وينتقل فيليكس فارس في مقدمته لترجمة كتاب"هكذا تكلّم زرادشت"للحديث عن إلحاد نيتشه، فيرى ان رفض نيتشه ما هو إلا اشتياق للإله، بمعنى ان الإنكار يتحول الى توكيد. يكتب فارس في هذا السياق:"إن نيتشه يعلن إلحاده بكل صراحة ويباهي بكفره، غير اننا لا نكتم القارئ الكريم ان ما قرأناه بين سطوره، وقد مررنا بها كمن عليه ان يتفهم كل معنى ويستجلي كل رمز، يحفّزنا على القول بأننا لم نر كفراً أقرب الى الإيمان من كفر هذا المفكر الجبّار الثائر".
إن الحاجة الى نيتشه لم تكن ماسّة فقط عند مفكري العقود الأولى من القرن الماضي، وإنما عند مفكري النصف الآخر منه، وفي طليعتهم عبدالرحمن بدوي، فؤاد زكريا، حسن حنفي وهشام شرابي.
يعتبر كتاب عبدالرحمن بدوي عن نيتشه، على ما يرى جمال مفرّج تمهيداً لإيجاد نظرة جديدة في الوجود من شأنها أن تخلق طابعاً ممتازاً من الإنسانية، وباسمها يعلن أبناء الوطن العربي ثورتهم الروحية المنشودة على القيم القديمة. يقول بدوي في مقدمة كتابه عن نيتشه:"لئن كانت الحرب الماضية قد هيأت الفرصة لهذا الوطن كي يثور ثورته السياسية.
فلعل هذه الحرب الحاضرة ان تكون فرصة تدفعه الى القيام بثورته الروحية. فليس من شك في ان هذا الوطن في أشد الحاجة الى ثورة روحية على ما ألف من قيم، وما اصطلح عليه حتى الآن من أوضاع، في أشد الحاجة الى أن يطرح هذه النظرة القديمة في الوجود وفي الحياة، كي يضع مكانها نظرة أخرى، كلّها خصب، وكلّها قوة، وكلّها حياة، وفيها إيمان بإمكان خلق جيل من أبنائه عظيم".
إن نيتشه على ما يبدو حاضر بقوة في هذا النص، بمشروعه وأفكاره ومصطلحاته: فكلمات مثل"قيم"و"قوّة"و"حياة"و"جيل عظيم"لدى بدوي توازي لدى نيتشه"إرادة القوة"و"الحياة المتدرجة في السمو"و"السوبرمان". وهي كلمات تشكّل جوهر فلسفة نيتشه. وعلى رغم ان بدوي يحاول ان ينأى بنفسه في كتابه عن صفة الداعية الى تقليد نيتشه والاحتذاء به، إلا أننا نستطيع ان نلمح بسهولة، على ما يقول الكاتب الجزائري هذه الصفة من خلال دعوة بدوي الى أبناء جيله لاتخاذ العقل الأوروبي مادة للاستلهام.
يلفت مؤلّف كتاب"الإرادة والتأويل"الانتباه الى ان المفكرين العرب الذين أُعجبوا بأفكار نيتشه حول الحرية والتحرر عارضوا بصورة صريحة بعض مصادرات فلسفته، وأعرضوا عن الإقرار بما يترتب عليها من النتائج الأيديولوجية والدينية الملحدة. بل إن الذين رحبوا بنيتشه ترحيباً واسعاً، انضموا الى هؤلاء المعارضين. وكان عدم الاهتمام بالمنهج الجينيالوجي الذي وضعه نيتشه هو أكبر دليل على ذلك.
ينطلق نيتشه في استعمال المنهج الجينيالوجي من ان الوجود ليس واقعاً خاماً، بل هو سلسلة تأويلات وكذلك الظواهر والأشياء وكل فعل للقوة. لذا، فإن قيمة الأشياء متوقفة على المعنى الذي نعطيه إياها. ومن هنا، فإن تاريخ ظاهرة ما يصبح هو تاريخ التأويلات المختلفة التي تتعاقب عليها. أو هو تاريخ ما أعطيناها من معان. هذه الألسنية المتجددة عند نيتشه تضع أمامها أسئلة جوهرية تطرح للمرة الأولى بصورة جريئة. من يستخدم الكلمة؟ وماذا ينوي من وراء ذلك؟ وماذا يريد وهو يقول تلك الكلمة؟ من إجابته عن هذه الأسئلة توصل نيتشه الى ان اللغة تعرضت للتمويه والتحريف من مختلف الإرادات الساعية الى السلطة أو المستقرة فيها.
كان نيتشه يدرك قيمة هذه الأسئلة التي يطرحها على اللغة والتي أعاد طرحها هايدغر في"الاستذكار"، ودريدا في"التفكيك"، وفوكو في"الحفريات". إعادة طرح، حملت اللغة إلى ان تدخل مجال التفكير الفلسفي بعدما نامت طويلاً في أدراج علماء النحو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.