النقد سمة المخلوق، كما حياة الخلية، والحياة السوية. كل أحد يملك شيئًا من الانطباع حين يسمع كلام الآخرين. عندما تصفق لشاعر، فأنت تعبِّر بلغة جسدية جهرية عن موقفك من القصيدة، هذا الانطباع موقف من كلام الآخرين يحال إلى النقد الانطباعي، لغة الجسد وإن كانت لغة توصيلية، لا تكون نقدًا بمفهومه القديم، والحديث. وأي تعبير جسدي لا يعدُّ نقدًا، إذليس هو بالنقد الواعي المنهجي المقصود، ولكنه على أية حال تعبير من نوع آخر، يحال إلى النقد. النقد بمفهومه المصطلحي الأدبي شيء آخر تحكمه ضوابط، ومحققات، ومناهج، وآليات، تنقحت على مر العصور ثم إن النقد من قبل، ومن بعد موهبة، واستعداد ذاتي، إنه رديف الإبداع، بل هو إبداع رديف، ولكيلا يكون مفتوحًا على كل الاحتمالات وضع المعنيون له ضوابط تحفظه من فلتات الانطباعية، لن ندخل في التفاصيل، فذلك شأن آخر له أهله، ومجالاته الأوسع من الزوايا. أما الناقد فهو المترع بالمعرفة، المسكون بالثقافة، والدربة، الملم بضوابط النقد على مر العصور، وهو إما: وسيط شارح، أو قاض محكم، أو معلم ناصح. يفض النزاع، مؤتمن كالقاضي، نزيه كالمعلم، جريء كالمصلح، لا تأخذه بالحق لومة لائم، لا يواطئ على باطل، ولا يداهن على خطأ، النقد أمانة، والناقد مؤتمن. وفساد المشاهد يبدأ من النقد المواطئ. والمفسدة حين يؤمن العقاب. المشاهد كالناس لابد لها من سراة، ولا سراة إذا جهالها سادوا. النقد جماع الأدب، والناقد عماده. أعطني ناقدًا، أعطك أدبًا..!