يترنم «هجينيته»، وهذا يجيش صدره كالمِرجَل شاديًا «حدا السواني» فيما ذاك كإيقاع منتظم (سامرية, الخبيتي, المجرور وفن الكسرة). وهذا الحاشي يتثنى! بدا راقصًا أمام صفٍّ من الرُّواديد يَمْنة ويَسْرة «قصّاد الدّحة».. موروث شعبي وتراث معنوي (فلكلور) في المناطق. أصالته نجدية، وعراقتة في مناطق حجازية، وعلى امتداد ضفتَي ساحلنا المشرقي والمغربي تمددت أنغامه وأهازيجه نحو الجنوب. يستحضر «عقيق المدينة» وحصاها الأبيض وآبارها وجريد النخيل وقصورها التاريخية, شاهدة منذ فجر تاريخ حضارتنا, وبطحان مكة وطائفنا المأنوس شاهد يتغنى منذ العصر الجاهلي وصولًا إلى عهد بني أمية وما عقبه.. كلما أدرنا بوصلتنا شمالًا بفن, صوب (الجوبة ودومة جندلها)، دلّتنا رمال الصحراء بموشوم خطى القاطنين والناجعين إلى خزائن (سلمى حائل) وأجاها. وكلما جلسنا «السّامري» بصرنا شعاب القصيم وريضانها، ورددنا ما قالته الرياض في «عرضتها النجدية». وربي, إنّ كل ما على أرجاء (عقيق المدينة وبطحان مكة) وزقاق جدة وطائفنا المأنوس شاهد على تنوع غنائنا وعراقتنا الفنية, كما هي شاهدة سروات عسير وعرفتها علياء رواسيها العصية إلا من الفنون. وكما عرفتها أودية جازان وهتف لها وجدان حدنا النجراني متماهيًا مع «الرزفة والزامل ورقصة الطبول» والخيول المُحنّاة الجباه وهم بإيقاع رائع بارقين مدججين بالسيوف والخناجر، مستحضرين بفنهم وغناهم الكرم والشجاعة، ويتوجدون على الديار وحبها. فنون مشتركة ومتنوعة في مناطق المملكة, بتسلسل تراتيبي عبر التاريخ، شَكّل الحركة الفنية الغنائية في السعودية. لمنطقة الحجاز الريادة في قبسة الانطلاق معتمدة على التجربة المصرية. كانت الريادة فيها للمؤسس الموسيقار الراحل «طارق عبدالحكيم» كما كان للكويت ولبنان دور في بروز الفنانين لاحقًا. ما أسهم في تنوع الإيقاعات وتعدد الإلحان، وساعد على انتشار التجارب الشعرية بعد أن كانت - النجدية وبقية الأقاليم - تحاكي تجربة الحجازية، وتقلد احتكارها المشهد الغنائي حين ذاك. وإن كانت أولى النوتات الموسيقية في السعودية تم تدوينها في كتاب «ترحال في الجزيرة العربية» عندما زار «جون لويس» الحجاز عام 1814م «تجلس النساء في المساء، وفي مكان يبعد مسافة قصيرة عن الخيام، ويكون إلى الخلف منها، ويقسمن أنفسهن إلى جوقات، وعدد الجوقة الواحدة ست نساء، أو ثمان، أو عشر، وتبدأ جماعة من هذه الجماعات في ترديد الأغنية...» عبدالرحمن الحمدان (الشرق الأوسط العدد: 14442). ما يجعلنا نشير لدور المرأة وحضورها الموازي بألق في الحركة الفنية؛ إذ إن الرّقصات رسالة فرح ونصر حافلة بالملبوسات والإيقاعات، وبريق السيوف، ومن جهة تحفل بقدود متثنية وخصور مهصورة وانتشاء وحياة. في سابع أجزاء (ملف الأدب السعودي) قبل الدلوج لما سطره الفنان الكاتب بسام السلامة, المحاصر بفنون قلما تجمعت بمبدع, ومقال الرئيس التنفيذي لمشروع صناعة السياحة في المملكة الناقد طلال علي الضاحي, نذكر بفخر ما ترعاه وزارة الثقافة من جوانب حضارية فذة, تهدف تحقيق تطلعات رؤية بلادنا خلال البرامج الطموحة ل«رؤية 2030» تفعيل دور الثقافة في الحياة العامة. أبرزها في هذا المقام: إنشاء مجمع ملكي للفنون ودار للأوبرا، إضافة لإعادة تأسيس فرقة موسيقية وطنية.