الاحتفاء بالرموز الثقافية هو اعتراف مسبق وتكريم لاحق لمن يمثلون ويمثلن ثقافة مجتمع ما. وقد تكون إطلالة إعلامية كفيلة بتذكير لشواهد مرحلة. وهو ما حدث خلال شهر نوفمبر من هذا العام 2013 حيث سُمِعَتْ ابتسام لطفي في إذاعة صوت الخليج، وشوهد عبد الله الصريخ في روتانا خليجية. عرف الاثنان خلال مرحلة السبعينيات الميلادية من القرن العشرين. وحين أعددت دراسة "نون الغناء في الجزيرة العربية" المنشورة في جزء منها بمجلة حقول (العدد الخامس، 2007)، وهي ضمن ملف نشر في عددين مواليين: "المرأة وثقافة الجزيرة العربية: التأسيس والريادة (1) ثم نشرت كاملة كإحدى فصول كتابي "تغني الأرض: أرشيف النهضة وذاكرة الحداثة" (2010)، لم أغفل اسمها لكونها تمثل مرحلة متقدمة من تمكين المرأة السعودية في مجالات الصحافة والتعليم ومهن التدريس والطب وسواها. تمثل ابتسام لطفي الحلقة الغنائية الحجازية التي ترأسها أستاذها ومانحها اسمها المستعار طلال مداح ولطفي زيني. إذ انضم إليها فوزي محسون وسراج عمر وعبادي الجوهر. بينما يمثل الصريخ الحلقة الغنائية النجدية التي ترأسها أبو سعود الحمادي وعبد الله بن سلوم، وأشهرت فهد بن سعيد وبشير حمد شنان وحمد الطيار. وهاتان الحلقتان هما من مكونات الغناء السعودي. إن مسار تجربة لطفي الغنائية المنطلقة عام 1969 بأغنية "فات الأوان" (إنتاج رياض فون) حيث توفرت قبل ظهورها تأسيس فرقة الجيش الموسيقية وفرقة الإذاعة بجهد الملعم طارق عبدالحكيم، وتكريس شركات الإنتاج والتسويق التي انطلقت باكراً سواء في الأحساء والرياض وجدة، وفعالية مواهب كبيرة في الشعر والتلحين والعزف والإيقاع كانت وراء بزوغ الأغنية السعودية في القرن العشرين. إن كل تلك الأسباب أتاحت الفرصة لابتسام ومحمد عبده وعبادي الجوهر وسواهما لبداية غير متعثرة بفقر الثقافة الموسيقية وضعف الإمكانيات الإنتاجية والتسويقية. استطاعت لطفي أن توثق نماذج من تراث الغناء الحجازي التي عمل عليها عمر كدرس وفوزي محسون فسجلت من أنماط الدانة والمجرور والمجس والخبيتي نماذج وضعت بصمة صوتها عليها مثل: "سافروا ما ودعوا، لا لا يا الخيزرانة، يا سارية خبريني، فارج الهم، قال المولع، يا طير ماذا الصياح.. " كما أنها أضافت إلى ذلك تحديها بغناء عملين من فن السامري وضعهما سلامة العبدالله "البارحة ساهر" و"يا هلي"، وهو الفن الذي برع طلال مداح أستاذها وملهمها في أدائه سواء في صيغته النجدية والزبيرية والكويتية في نماذج تمثل مراحل مختلفة من مسيرته ذات العقود الأربعة، منذ الستينيات حتى التسعينيات من القرن العشرين، وهي أعمال شهيرة مثل "يا مسافر على البوينج، علامه ما ينابيني، لا تقول الليالي، يا كريم، خذ راحتك..".