هذا مقال في تسعَ عشرةَ صفحة مستوعب كتبه عمر بن عبدالله العُمَريّ، جمع فيه أقوال العلماء في الآيات المتضمنة الواو التي سماها بعض الناس (واو الثمانية). ومن أهم ما جاء فيه تحليله قول الزمخشري (538ه) عن الواو في سورة الكهف[22] أنّها الواو التي تدخل على الجمل الواقعة صفة للنكرة، وأنّ لها فائدتَيْن: توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أنّ اتّصافه بها أمر ثابت مستقر، والدلالة على القطع والثبات في الإخبار. وأمّا عن الواو في آية التحريم [5] فعلّة دخولها أنها بين صفتين متنافيتين. وهما صفة الثيوبة والبكارة، ولا يُتصور وجودهما معًا في امرأة واحدة. مع أنّ ورود الواو جاء بعد الصفة السابعة. قال العمري: «فالزمخشري رحمه الله على إمامته في اللغة لم يتعرض لذكر واو الثمانية. وحاصل قوله عن آية الكهف أنّها مؤكِدة، وعن آية التحريم أنّها فارقة بين متنافيين. وقوله في تعليله السابق عن واو سورة الكهف: (إنّها الواو التي تدخل على الجمل الواقعة صفة للنكرة) هذا تعليلٌ نحويٌ علمي، لم يُبنَ على الاستحسان والذوق. وهذا يضعف رأي الحريري - رحمه الله - من القول بواو الثمانية، وجزمه بأنّها من خصائص لغة العرب»(1). وفات العمري ما جاء في حاشية الكشاف من قول أحمد بن المنيِّر (683ه) مؤيدًا مذهب الزمخشري، ومفسرًا وظيفة الواو، قال: «قال محمود [الزمخشري]: إن قلت «لم دخلت الواو في الجملة الأخيرة ... إلخ.»؟ قال أحمد: وهو الصواب، لا كمن يقول: إنها (واو الثمانية)؛ فإن ذلك أمر لا يستقر لمثبته قدم، ويعدّون مع هذه الواو في قوله في الجنة {وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} بخلاف أبواب النار، فإنه قال فيها {فُتِحَتْ أَبْوابُها} قالوا: لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة. وهبْ أنَّ في اللغة واوًا تصحب الثمانية فتختص بها، فأين ذكر العدد في أبواب الجنة حتى ينتهيَ إلى الثامن فتصحبه الواو، وربما عدّوا من ذلك {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهو الثامن من قوله {التَّائِبُونَ} وهذا أيضًا مردود بأن الواو إنما اقترنت بهذه الصفة، لتربط بينها وبين الأولى التي هي {الآمرون بالمعروف}؛ لما بينهما من التناسب والربط، ألا ترى اقترانهما في جميع مصادرهما ومواردهما، كقوله {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وكقوله {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. وربما عدّ بعضهم من ذلك الواو في قوله {ثَيِّباتٍ وَأَبْكارًا} لأنه وجدها مع الثامن، وهذا غلط فاحش، فإن هذه واو التقسيم، ولو ذهبت تحذفها فتقول: ثيبات أبكارًا، لم يستدّ الكلام، فقد وضح أنَّ الواو في جميع هذه المواضع المعدودة واردة لغير ما زعمه هؤلاء، والله الموفق»(2). وذهب العمري في تحليل رأي الرازي إلى «أنّه من القائلين بورود (واو الثمانية) في لغة العرب. بل ذهب بعيدًا حين عدَّ من هذا آية سورة الزمر[73]، مع أنّه لم يُذكر فيها عدد أصلًا». والمدقق في قول الرازي لا يراه من القائلين بذلك، فهو عند الاستدلال على أن عدد أهل الكهف سبعة وثامنهم كلبهم ذكر وجوهًا أولها ما ورد عند الزمخشري من دلالة الواو، ثم وصف هذا القول في موضع آخر بأنه الأولى، قال «ذَكَرُوا فِي فَائِدَةِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: {وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} وُجُوهًا. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَال»(3). وهو بعد ذكره قول من عدّها واو الثمانية كان تعقيبه «قَالَ الْقَفَّالُ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الْحَشْرِ: 23] وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَاوَ فِي النَّعْتِ الثَّامِنِ»(4). يقول العمري: «نجد أنّ كفة الذين لا يقولون بها هي الأرجح(5)؛ لهذا، ولقلة الشواهد، ولأنّ القول بها لا يعدو - برأيي - أن يكون استحسانًا أدبيًا، أرى أنّ هذه الواو لا حقيقة لها في لغتنا؛ وإنما هي من تسميات الأدباء المبنية على تلمس الجمال الفني، البعيد عن التقعيد العلمي الذي سار عليه النحاة في بناء قواعد اللغة»(6). *https://bit.ly/2NdBM4m (1) العمري، واو الثمانية، ص 9-10. (2) الزمخشري، الكشاف، 3: 576/ح2. (3) الرازي، مفاتيح الغيب، 21: 449. (4) الرازي، مفاتيح الغيب، 21: 449. (5) الصواب (الرُّجحى)، أو «كفة الذين لا يقولون بها أرجح». (6) العمري، واو الثمانية، ص17