(القصيدة سر، وعلى القارئ أن يبحث عن مفتاح لها) هكذا قال الشاعر الفرنسي (مالارميه)... لا يعزب عن أحد من قراء الأدب والشعر خاصة ما كتبه الشاعر المصري الراحل/ أمل دنقل من شعر يشدو به للحب والحرية.. تلك الحرارات الشعرية الملتهبة التي أشعلها في موقد الشعر من قصيدته (لا تصالح) ذاك الابتكار اللغوي لم يتبع فيه (لغة القطيع) فاختلق لغة فريدة ما زالت لامعة في فم الشعر العربي. ومما ينضح به النص وهو يكتبه بيدين مرتعشتين من شدة المرض (السرطان) والموت يلوح فوق رأسه، ويرى الزهور تملأ الغرفة من زواره ومريده في ( غرفة رقم 8) في المعهد القومي للأورام بالقاهرة، إذ تنبعث من تلك الغرفة قصيدة (زهور): (( و سلال من الورد، ألمحها بين إغفاءة و إفاقة و على كل باقة اسم حاملها في بطاقة تتحدث لي الزهرات الجميلة أن أعينها اتسعت/دهشة.. لحظة القطف، لحظة القصف، لحظة إعدامها في الخميلة! تتحدث لي..)). ينعى نفسه كما أن الناس قطفت الزهور، فالموت يقطفني من دنيا الناس.، إنها لوعة الفراق وقرب المنون. ومن الحب ما أحيا وما قتل كما يقال، لم يكن (أمل دنقل) بعيداً عن الحب، فهو يكتب الحب بلغة لا تنام، فيمزج فيها عشقاً وحنيناً، ويفشي فيها من أسراره، فلغته الشاعرية تدل عليه، لكنه يكتب بقلم الحزن ورماد اليراع، وكأن (حاء) الحب هي ذاتها (حاء) الحزن. فهو لا يبحث عن قارئ يقرؤه، فأخذت رؤيته الشعرية تتسع في فضاءات الحياة نحو الحرية والمهمشين ومن جميل ما كتب قصيدة (استريحي) : استريحي !!! استريحي ليس للدور بقيّة انتهت كلّ فصول المسرحيّة فامسحي زيف المساحيق و لا ترتدي تلك المسوح المرميّة و اكشفي البسمة عمّا تحتها من حنين .. و اشتهاء .. و خطيّة كنت يوما فتنة قدسّتها كنت يوما ظمأ القلب .. وريّه *** لم تكوني أبدا لي إنّما كنت للحبّ الذي من سنتين قطف التفاحتين ثمّ ألقى ببقايا القشرتين و بكى قلبك حزنا فغدا دمعة حمراء بين الرئتين و أنا ؛ قلبي منديل هوى جففت عيناك فيه دمعتين و محت فيه طلاء الشّفتين و لوته .. في ارتعاشات اليدين كان ماضيك جدار فاصلا بيننا كان ضلالا شبحيّه فاستريحي ليس للدور بقيّة أينما نحن جلسنا ارتسمت صورة الآخر في الركن القصيّ كنت تخشين من اللّمسة أن تمحي لمسته في راحتي و أحاديثك في الهمس معي إنّما كانت إليه .. لا إليّ فاستريحي لم يبق سوى حيرة السير على المفترق كيف أقصيك عن النار و في صدرك الرغبة أن تحترقي ؟ كيف أدنيك من النهر و في قلبك الخوف و ذكرى الغارق ؟ أنا أحببتك حقّا إنّما لست أدري أنا .. أم أنت الضحيّة ؟ فاستريحي ، ليس للدور بقيّة. ** الشعراء الحقيقيون هم صناع لغتهم لا مجددوها. ** **