في كوخه الوردي تزوره كغيمة هطلت دون سابق إنذار، يحادثها ويحدث لها ويحاورها في كل شيء، وفي غفلة من الزمن لا يجدها أمامه فيتساءل: هل كان في يقظة كالغفوة أم في غفوة كاليقظة؟ قال لها اليتيم: هو يبحث عنها كالمجنون هنا وهناك.. يتجول في مواقع التواصل في عالمه الافتراضي.. يجدها قابعة في حنايا موقعه المفضَّل الذي التقاها فيه لأول مرة.. كان يطيّرها كعصفورة مغردة في (تويتر) كان يراها في (يو) تيوب وكأنها (أنا) لا أتوب. وجهها في (فيس) بوك ليس كالوجوه؛ هو تماماً ك(سيف) أبيك الذي توشح صدر مجلسه احتراماً وهيبة.. وجدها في واتس (أب) ك (أم) حنون، تسقيه الضوء بدل الماء! كل المواقع تقوده إلى لينكد (إن)؛ لِينكِّد على الحزن بفرحه المنتشي بعطرها وبمطرها ... يا صديقتي لا تلومي إدماني على جوالي لأني باختصار: افترض عالمي الحقيقي في عالمك الافتراضي. قالت له جوجو: عالمه لا يشبه إلا الجنون أما هو فعقل الجنون يبحث عنها هنا وهناك لا يعلم أنها قابعة في ملتقاهم الأول (لينكد إن) لأن إعداداته لا تحجب ظهوره. تهدأ عندما تخبرها الدقائق أنه كان هنا قبل هُنيهة من الزمن! تظل تترقب فخامة حضوره، واضطراب غيابه ثم إذا طرق زاويتها تستكن وتهدأ وتتبسم للوجود وتخبر المساء أن الصبح قريب. * * * * * ذات ليلة تعانق غيومها الجبال قال لها اليتيم: كم أشتاق إليك! كم أحبك وكم أحتاج لكِ! أريدك غيمةً تحجب ضوء الشمس الحارق عني، أريدك العش الذي آوي إليه أول نهاري وآخره، وأريدك الماء الذي أُروي ظمأه، أما أنا فلا شيء يروي ظمئي غيرك! فاجأها بإرسال صورة لكوخه الوردي وهو يحترق! أما (جوجو) فأتت حزينةً على غير عادتها، حيث كان مساؤهما أكثر ظلاماً تلك الليلة، يشتد برده مع أنهم في أوائل فصل الخريف. لا تزال نسمات الصيف عالقةً في جدران المنازل، إلا أن تجليات العواطف تلك الليلة عصفت بأجوائهما . غضب .... تعالى وانسحب ... صمتت قابعة في موطنهم الافتراضي لعله يعود؛ لكنه لم يعد! غلبها النوم، وفي الصباح هرعت لملتقاهم، وقفت طويلاً عند باب كوخه الوردي (الذي احترق جزء منه) وهي لا تريد أن تفتح بابه. لأنها تخشى أن لا تجده؛ فهي لا تحب الخذلان ترددت ثم عزمت على الدخول، لعل قلبه العطوف لا يخذلها. لم تجده لكنها وجدت إجابة «لغز الكوخ المحترق» حَضَرت (جوجو) ساطعة وعادت بقايا متهالكة! أدركت حينها أنه عصيٌ أبي، لا للهوى أمرٌ عليه ولا نهيٌ ! غادرت المكان لكنه لم يغادرها، حبست دمعها وابتسمت للجميع. تتظاهر بالصمود وأظن أنها كانت مكشوفة، فهي تحدق في الجميع لكنها لا تراهم ... هكذا يصنع الصدق إن لم يجد مرسى. ** ** - منيف خضير الضوي