من يعرف سوق الفن التشكيلية المحلية، وهي سوق ناشئة، يدرك جيدًا أنها لا تختلف كثيرًا عن سوق الأسهم، من حيث التكتلات والاتفاقات، برفع أسهم فنانة أو فنان، دون سواه، والتسويق له بقوة وحماس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن العبث يصل إلى الادعاء ببيع اللوحات كلها لمعرض ما في اليوم الأول، والأمر السيئ أن هؤلاء اللاعبين في السوق يؤثرون أحيانًا على الأكاديميين والنقاد في المجال الفني التشكيلي، بالضبط كما يحدث في سوق الأسهم حين يتأثر محللون اقتصاديون لهم مكانتهم ومصداقيتهم. كثير من هؤلاء الفنانات الهاويات، ممن لم يتخطين عتبة معرضهن الأول، بل منهن من لم تقم معرضًا بعد، صنعوا لهن مجدًا هلامياً، وطبلوا كثيرًا لدرجة شعور المتابع بالخجل لما يحدث، وشعور المقتني الحقيقي بالخذلان لما أصاب السوق من هشاشة، ونأي كثير من المهتمين بالفن التشكيلي عن قاعات الاستعراض، في وقت نحن بحاجة إلى جذب جيل الشباب إلى حقول الفنون والآداب، لخلق جيل مثقف وعميق الرؤية. باختصار شديد، هناك فنان حقيقي له أسلوبه المميز الذي يغنيه عن التوقيع باسمه، أسلوبه الذي صنعه على مدى عقود من السنوات، وهناك فنان بلا أسلوب ولا هويه، وبلا روح، في كل لوحة له نمط مختلف تماماً عمّا سبقها، لأنه يتأثر سريعًا بغيره من الفنانين العالميين أو العرب، أو حتى زملائه، فهو ينسخ تجارب ناجحة لآخرين، طمعًا في تكرار النجاح، لكنه بالطبع يفشل، فالنسخ والتقليد أضعف من الأصل، وهو أيضًا مكشوف لكثير من المتابعين والمهتمين. نعم شجعوا تجارب الهواة التي تحمل بذرة موهبة، لكن لا تبالغوا في المديح والتمجيد، لأنكم تجعلون هؤلاء يتوقفون عن البحث والمحاولة، ويشعرون أنهم وصلوا المجد فعلا! رجاءً كفّوا عن تسطيح الفن التشكيلي، دعوه ينمو بشكل طبيعي، اقتنوا لوحات من باب الدعم والتشجيع، هذا جيد، لكن اتركوا المواهب تصنع ذاتها بحب وشغف، ولا تحولوا بداياتهم المرتبكة إلى تجارة، وتحولونهم إلى تجار جملة.