يعتبر الاستثمار في الفنون التشكيلية والبصرية من أكثر مجالات الاستثمار جدوىً؛ لاسيما وأنه يقوم على الجوانب المعنوية ليست المادية كالاستثمار في النفط والمعادن والعملات والأسهم والعقار والصناعة والتجارة، فهو استثمار في الإنسان والفكر والإبداع الذي يصنع الحضارات ويبني الأمم ويضمن تقدمها وازدهارها ويؤمّن لها مفاهيم الاستدامة في حيوية الاقتصاد الكلي العام على المدى الطويل. وهذا يستلزم علينا خلق وتعزيز وتطوير أنشطة تجارية متعددة تهتم بالاستثمار في الفنون كالرسم والتصوير والتصميم والفوتوغراف والطباعة والنحت والتشكيل المجسم من جميع الخامات الممكنة وبقية أشكال الفنون الرقمية والبصرية سواءً كانت ذات بعدين أو ثلاثة أو أكثر. تمارس أميركا وأوروبا واليابان هذه الأنشطة من مدة طويلة وبخبرات واحترافية عالية أنتجت معارض ومزادات ضخمة تبيع الأعمال الفنية بأسعار خرافية كما تدهشنا الأخبار دورياً، وتحمّس الجميع لاقتحام هذا المجال كفنان منتج أو قاري وسيط أو مشتري أو كزائر ومتذوق،ويلتقي في هذه الفعاليات شرائح متنوعة من المجتمع كرجال المال والأعمال والسياسة ونجوم التمثيل والغناء والرياضة وجامعي اللوحات والأعمال اليدوية والتحف النادرة وصناديق التحوّط البنكية وأكبر قاليرهات العالم تعرض وتتبادل أقوى ما لديها من مقتنيات. والنقاط التالية توضح الفوائد والجدوى الاقتصادية وغير الاقتصادية من الاستثمار في الفن :- صافي أرباح سوق الفن لعام 2015 هو 12,7 مليار دولار وفي نهاية 2017 قفزت وتضاعفت قيم مجمل الصفقات بشكل جنوني ل63,7 مليار دولار غير الصفقات التي لم تُسجّل. تُسجل أرباح غير متوقعة وتدهش الجميع بشكل دوري؛ ولعل صفقة بيع لوحة ليوناردو دافنشي «مخلّص العالم» التي اشتراها هاوٍ في 1958 بمبلغ 60 دولاراً بيعت في 2017 بمبلغ 430 مليون دولار في مزاد بنيويورك استغرق 19 دقيقة، هذا الهامش من الربح يستحيل تحقيقه في أي نشاط تجاري آخر. تزور هذه الفعاليات شرائح كثيرة متفاوتة الأغراض غير الاقتناء كاستلهام الأفكار وأساليب الاختراع ومهارة التنفيذ وجودة الإخراج وابتكار موضات في مجالات التصميم، فمنذ أشهر قليلة تم عمل معرض للفنان الإيطالي الشهير موديلياني حضره مئة الف زائر في ثلاث أيام منهم زوار من الخارج برسم دخول 13 يورو، فتتلاقح الأفكار والرؤى في الفنون والتصميم والأدب والإعلام والتربية والفلسفة من خلال هذه المعارض الضخمة. ولكن بما أن هناك أرباحاً فهناك بالتأكيد مخاطر في الاستثمار في الفن أيضاً يمكن حصرها في النقاط التالية:- شراء أعمال مسروقة أو مقلدة أو بها ضرر. شراء أعمال تكتشف لها نسخ كثيرة لاحقاً. اكتشاف شخصيات أو جهات مهتمة باستهداف أعمال فنان محدد وتقوم بتجميع أعماله وتريد بقاءه مغموراً لمدة طويلة، أو العكس بأن تكون لها نزاعات مع فنان أو جهات تقتني عددا كبيرا لأعماله وتسعى لضرب قيمتها السوقية. بعض الأعمال المجسمة يصعب نقلها وشحنها وتركيبها وتخزينها. بعض الدول المشهورة بالفساد يقوم موظفي المنافذ بابتزاز الفنانين والمقتنين والقالريهات لأخذ رشاوي والتهديد بمصادرة المنقولات أو سرقتها واتلافها بعمد بدعوى التدقيق فيها لمصلحة الدولة؛ لمعرفتهم بفساد أجهزتهم والترهل الإداري لحكومتهم واختلاسات قياداتهم وتدهور قضائهم. وهناك سؤال يُطرح دوماً وهو كيف تُثمّن الأعمال الفنية؟، ففي الحقيقة هناك معايير للتقييم وهي تتفاوت بالطبع من فنان أو من عمل لآخر لكن عموما يمكن الاسترشاد بالنقاط التالية:- 1. اسم الفنان وعمق تجربته وفرادة أعماله ونشاطه الفني ووزنه بين بقية الفنانين المعاصرين له. 2. السياق العام الذي ظهر فيه العمل وما أُثير حوله من نقاش وحوار وسمعة وتأثيره على الغير. 3. حجم العمل ونوعية خاماته وأماكن عرضه محلياً أو عالمياً، وأسماء المقتنين له سابقاً وتسلسلهم ووزنهم بين البقية. ختاماً أناشد عموم القراء والسادة المسؤولين بأمور أراها ذات أهمية في تصوري: توفير قاليريهات في جميع محافظات المملكة تدار بطرق احترافية تعرض أعمال كبار فنانينا وتساند وتدعم الفنانين الناشئين. رفع نسبة توطين المهنة لتصل أكثر من النصف في مجال التسويق وتنظيم المعارض والمؤتمرات وإدارة المتاحف بمختلف أنواعها، وتدريبهم جيداً بهدف رفع تنافسيتنا عالمياً. اتحاد أو اندماج القاليريهات المحلية ولو لفترة مؤقتة أو لمناسبات فنية محددة لزيادة عدد الفنانين السعوديين في المسابقات والبياليهات والمعارض العالمية ليكون لنا حضور عالمي نتقدم فيه للأمام تدريجياً، سيما وأن لدينا كوكبة رائعة من الفنانين متنوعة الأجيال والمجالات والاتجاهات الفنية. إقامة بينالي دولي في الرياضوجدة والدمام للفنون المعاصرة العالمية والعربية والخليجية، وبيناليهان للفنون الإسلامية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وبينالي آثاري للمتاحف الحكومية والخاصة ومقتنيات الشركات والأفراد على مستوى العالم في مدائن صالح، ومعرض دولي سنوي في التكنولوجيا والاختراعات وفنون وتصاميم وصناعات المستقبل في مدينة نيوم الوليدة، وهذا يتسق مع رؤية السعودية 2030 التي تركز على الاستثمار والبحث عن مجالات أخرى لإيرادات غير نفطية للدولة. أناشد السادة القائمين على التربية والتعليم والثقافة والإعلام والفنون بنشر ثقافة الاقتناء وخلق شرائح جديدة من المقتنين وتربية جيل يشعر بالجمال يمارسه الفن ويقدّره ويهتم بالإبداع الفني. *فنان وناقد فني Your browser does not support the video tag.