حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتتاح المعارض التشكيلية.. لعبة مكشوفة بين “بريستيج” رجال الأعمال وبحث الفنانين عن المال
نشر في المدينة يوم 11 - 05 - 2011

مثل غيره من أنماط الإبداع المختلفة، يبحث الفن التشكيلي عن المال ليبقي جذوة نشاطه متقدة.. ولم يجد الفنانون بغيتهم إلا في رجال الأعمال، حيث تقدم لهم الدعوات لافتتاح المعارض التشكيلية المختلفة، حيث صار هذا الأمر تقليدًا متبعًا في غالب هذه المعارض، إما أن يقوم به صاحب المعرض بنفسه، أو تتولاه صالة العرض المقام عليه المعرض؛ والغاية في كلتا الحالتين دعم منظور من قبل رجل الأعمال المفتتح للمعرض، باقتنائه للأعمال.. وهنا تطل المشكلة التي يجأر منها الفنانون بالشكوى حين لا يفي المُفتتح بوعده، أو قد يفي به بعد مساومة على مبدأ تجاري بحت يسقط قيمة الفن، ولا يقيم له وزنًا.. فيرمي الفنانون رجل الأعمال بتهمة الجهل وعدم تقدير الفن، وأمّيته البصرية.. المشاركون في مناقشة هذه القضية تفاوتت آراؤهم في تحليلها، فهناك من يرى أن الظاهرة أصبحت تهدد قيمة الفن ومعناه، وأن أغلب رجال الأعمال الذين يقومون بافتتاح المعارض هدفهم الأول الظهور كون نوع من “البرستيج”، وأنهم يربحون من خلال هذا السلوك الكثير بما يقدمون القليل للفن، فيما يرى آخرون أن دورهم في دعم الفن لا ينكره أحد، وأنهم يقدمون الدعم بصور مختلفة، وهو ما يؤكده بعض أصحاب صالات العرض تحديدًا.. جملة الآراء المتباينة في سياق هذا التحقيق..
الفن للجميع
يبتدر الحديث الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة قائلًا: الفن التشكيلي علاقة ارتقاء ذوق في أي مجتمع، وإذا ارتفعت الذائقة ارتفع الإحساس بالفن، ورجال الأعمال يرغبون في شراء اللوحات ولا يجب أن نسألهم هل هم يقتنونها من أجل الشهرة أم من أجل الاستماع بها، فذوق الإنسان في منزله لا يقتصر على الفنان ورجال الأعمال بل هو لكل أطياف المجتمع، فالفن قاسم مشترك لجميع الفئات، وليس عيبًا ألا يفهم رجل الأعمال او حتى الناقد العمل الفني الذي أمامه، فقد يعجبك العمل الفني وقد لا يعجبك ويعجب كثيرين غيرك، وأعتبر أن الفنون التشكيلية لكل أطياف المجتمع. فيما يقول الدكتور عالي القرشي: الفن التشكيلي فن نخبوي وبحاجة إلى من يفهمه ويقدره، وأعتقد أن اختيار الشخصية المناسبة لكي تفتح أي معرض هو نجاح للمعرض، فهناك مثقفون واعون بالفن التشكيلي ويقدمون دراسات عن التشكيل ولهم اطلاع بالمدارس الفنية وهم أقرب لإنتاج المعرض، وهناك آخرون لا يهتمون بالفنون البصرية. وقد يفتتح المعرض رجل اعمال لا يتفاعل مع اللوحات، وهذا قد يسبب إحباطًا للفنان صاحب المعرض.
إساءة للفن
الفنان الرائد عبدالله الشيخ لم يخف امتعاضه من هذه الظاهرة؛ حيث استهل قائلًا: أشعر بالحزن وأنا أشاهد رجال أعمال يفتتحون بعض المعارض وهم لا يفهمون العمل الفني، فتجده يمر على اللوحات بشكل سريع، وهذا يسيء للفن، وأعتقد أنه ليس من الضرورة في شيء إحضار رجل أعمال ليقوم بافتتاح المعرض، حيث يمكن أن يفتتح المعرض بشكل غير رسمي للفنانين ومحبي الفن التشكيلي.
نماذج مخزية
ويتفق الفنان أحمد حسين الغامدي مع ما ذهب إليه الشيخ في سياق قوله: يجهل الكثير من الناس أهمية الفن التشكيلي في الحياة العامة؛ فالفن يدخل في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، فملابسنا وأناقتها، والمنازل وما تحوي من ديكور، والتسجيل التاريخي لحضارة الشعوب ونقلها عبر الزمن فكيف لنا معرفة الحضارة الفرعونية العظيمة لولا ما تركت من آثار، وما حوته الجزيرة العربية من آثار يدل على عظمة هذه الأمة، فقد استمر الفن عبر الزمن يروي لنا التاريخ من نقوش الكهوف حتى العصر الحاضر.
ويضيف الغامدي: الفن يقوى ويضعف حسب مدى ثقافة الشعوب، وأعتقد أنه وصل إلى أضعف حالاته بعد ان أصبح هامشًا في آخر الصفحة الثقافية، وأصبح “برستيج” يركب عليه بعض المتسلقين والأميين ومنهم بعض مفتتحي المعارض، فقد شاهدت أحد المفتتحين يحمل شهادة دكتوراه يفتتح معرضًا وإذا به يحضر ليشاهد نصف المعرض ويخرج بحجة أنه مشغول، فقلت ليته لم يحضر لأنه ترك حسرة كبيرة في نفوس الفنانين الذين تجاهلهم بالكامل، ولم يعير وقوفهم وحضورهم واستقبالهم له أي اهتمام، فقد حصل على ما يريده من صور الافتتاح التي ستنشر في الجرائد.. وآخر يحجز مجموعة من الأعمال ويقفل عليها في أحد مخازنه ويدعي أنها لم تصله، ويترك أصحاب الأعمال يطالبون الصالة، وصاحب الصالة يترجى صاحبنا في قيمة أعمال لا تتجاوز العشرين ألف ريال، وبعد فر وكر يسددها أحد شركائه حياءً من تردد أصحاب الصالة لاستعادة الأعمال أو سداد قيمتها.. وآخر يختار بعض الأعمال، وعندما طلب منه أن يأخذ الأعمال قال لا احتاجها خذوا هذا المبلغ ولا حاجة لي بأعمالكم.. والبعض الآخر يتباهى أمام الناس ويحجز مجموعة من الأعمال وبعدها يتهرّب ولا يأخذ منها عملًا واحدًا.. هذه بعض عينات والقصص كثيرة وغريبة، إنها عقليات مؤلمة تجعل الفنان يشعر بالحسرة على ما يقدم من إبداع، فكيف نطالب الفنان بعد هذا الخذلان من مثقفين ورجال أعمال يجدر بهم أن يكونوا المثل الأعلى في التعامل والصدق.
ويختم الغامدي بقوله: وتجد بالمقابل نوعية واعية تقدر الفن وتحفظ قيمته وتتعامل معه على أنه منتج إبداعي يحمل قيمه ثقافية، وأنه كنز يحفظ للمستقبل ولكنها قليلة جدًّا، وأتمنى أن نعي معنى قيمة الفن كقيمة ثقافية وتاريخية حتى يعود ليقف على رجليه ويسجل تاريخ أمة عظيمة تستحق أن تخلد.
غلبة الجانب الإيجابي
وترى الفنانة سميرة الأهدل أن الظاهرة لها جانبان سلبي وإيجابي، وتفصح عن ذلك بقولها: من وجهة نظري أرى أن هذا الجانب له إيجابيات وسلبيات ولكن يطغى الجانب الإيجابي على السلبي من نواحٍ متعددة منها: إذا نظرنا للموضوع من وجهة نظر الصالات الفنية فسنجد أنه يهتم بالناحية المادية والربحية للصالة، والفنان على الصعيد الأكبر؛ ولكن حيث تهتم الصالة باختيار جهة معينة أو رجل أعمال مهم لافتتاح المعارض ولا تهتم الصالة إذا كان هذا المفتتح هو مهتم بالفن التشكيلي بحد ذاته أم مهتم بالناحية الإعلامية التي سيحظى بها والتي هي هدف من أهدافه التي تكمل نشاطه كرجل أعمال؛ إذًا هنا سنجد أن الصالة لها أسبابها ورجل الأعمال له أسبابه أيضًا، ولكن أين الفنان من كل هذا! وتمضي الأهدل قائلة: الفنان يخدمه رجل الأعمال مهما كانت أسبابه في أن هذا المهتم بالفن أو بالشهرة والإعلام سيقتني مجموعة لا بأس بها من الأعمال المميزة التي تستحق الاقتناء، وأغلب رجال الأعمال يقتنون هذه اللوحات ليتم عرضها في أماكن عامة مثل المستشفيات أو المراكز التجارية أو الشركات أو أي جهة عامة، وهذا يعتبر جانبًا إيجابيًا كبيرًا يخدم الفنان؛ حيث إنه كلما توسّعت دائرة المطلعين على أعمال فنان ما ساهم ذلك في انتشاره، ووجود أعماله في كل مكان وهذا هدف لا يمكننا إغفاله، فطالما خرجت تلك الأعمال ووضعت في مكان دائم فهذه فرصة لتراها أكبر شريحة مهتمة بالفن وجمالياته؛ ولهذا نرى أهم أعمال الفنانين موجودة في أماكن عامة مهمة بصرف النظر عن تلك الأعمال التي يتم أيضًا اقتناؤها لأسباب شخصية، فمن الأسباب التي تكون سببًا في نجاح المعارض هو انتشار الأعمال وذلك باقتنائها لتراها أكبر شريحة ممكنة من الناس والمجتمع، فليس كل الناس مهيئين ليحضروا معارض فنية أو تصلهم حتى أخبار المعارض وأوقاتها، هذا ناهيك عن المدة القليلة التي يستمر بها المعرض وهي من عشرة أيام إلى اسبوعين غالبًا..
لعبة مكشوفة
أما الفنان أحمد فلمبان فيقول: خلال مواكبتي للساحة التشكيلية في الخارج ومتابعتي عن قرب لأنشطة الصالات والفعاليات الفنية لم أشاهد افتتاحًا على شرف شخصيات فنية أو رجال أعمال ما عدا الرسمية منها، والتي تكون مرتبطة أو لها علاقة بالجهة التي يعمل بها المفتتح، أو يمثّل جهة رسمية مهمة أو أصحاب المقامات الرفيعة، ولكن هنا أصبحت موضة حتى الفنانين أخذوا يزاحمون في هذا المجال ويترقبون الافتتاحات ويعدون لها العدة، في الماضي كان الفنان يدعو رجال الأعمال أملًا في دعم المعرض والشراء، وبعد ذلك اتضحت الرؤية للعديد من رجال الأعمال هذه اللعبة فأخذوا يرفضون أو يعتذرون تجنبًا لإحراج الشراء، وإذا بدر من أحدهم العطف على الفنان وتكرم بالشراء، فإنه يتعامل من مبدأ تجاري ويساوم في السعر، ومنهم يتظاهر بالشراء ويحجز عشرات اللوحات ثم يماطل ويتأخر في الدفع أو يتراجع عن الشراء دون إبداء الأسباب، وهذا دليل على استخفافهم بالعمل الفني وعدم تقديرهم للفن ووعيهم على أنه ثقافة والثقافة حضارة، وهذه الموضة من ابتداع الصالات وبخاصة في جدة لأن جميعها تحت مسمى دكاكين للبراويز أو للأنتيكات أو للديكور يملكها تجار، والرابح في هذا الموضوع المفتتح الذي يبدو للجمهور كشخصية اجتماعية ترعى الثقافة وتهتم بالفنون وظهوره على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز وإطلاقه التصريحات والوعود والتي عادة تتبخر مع نهاية الحدث، وهذه نقطة سلبية لا يعي لها الفنان المسكين بخضوعه لهذه الآلية التي تضر بالفن والفنانين وتوقعهم تحت رحمة الصالات التي تتحكم في دعوة المفتتح ومكانته الاجتماعية ومستواه المالي تبعًا لعلاقتها مع الفنان.
ويضيف فلمبان: كما تلعب الشللية دورها الفاعل في العناية والاهتمام أو الإهمال والتقصير في التخطيط المتأني واختيار الزمن المناسب وتقديم الخدمات المساندة والتغطية الإعلامية والاهتمام بالتسويق واستمرارية التواصل مع المهتمين، وهذه الحالة تنطبق أيضًا على بيت التشكيليين الذي أصبح صالة تجارية، وفي هذا السياق مررت بتجربة قاسية في معرضي الشخصي العاشر الذي أقيم في أتيليه جدة عام 2005 حيث وضعوني أمام الأمر الواقع بمفتتحه ومفتتح على مزاجهم بعد انتظار أكثر من عام على أمل دعوة شخصية مهمة معروفة وعدم قيامهم بما ينبغي في تسويق 37 لوحة بعد حجزها ثلاث سنوات مع الوعد الأكيد بالبيع، وعودتها جميعها مع بعض التلفيات والإضرار دون إبداء الأسباب..
ويختم فلمبان بقوله: ومن هنا فإن تلك المعارض التي يفتتحها رجال الأعمال هي مجرد قص شريط وفلاشات التصوير وزحمة الاستقبال وجمهور لا يهمهم الفن ولا يعيه بقدر اهتمامهم بشخصية المفتتح وينتهي الكرنفال بنهاية الحفلة، وهذا الحرص المفتعل يزيد من حدة الركود والتهميش ولا تضيف جديدًا للفن التشكيلي، وتزيد الفجوة بين المتلقي والفنان الذي ينتظر من إنتاجه ردة الفعل الإيجابية في أقصى حالاتها بما فيها المادية التي تعينه في مستقبل حياته وتحفزه على العطاء والإبداع وتطوير فنه وتشعره بأنه مبدع لنتاج فكري إنساني.
همس مبكٍ وظاهر مفرح
الفنان باسم فلمبان قال: الحديث عن استقطاب رجال الأعمال من قبل صالات الفنون لافتتاح المعارض التشكيلية هو همس مبكٍ وظاهر مفرح؛ فصالات الفنون تختلف في نظرتها لهذه القضية حسب أهدافها التي تسعى إليها.. المفرح هو استمرارية النشاط التشكيلي بأي شكل من الأشكال وتشجيع الفنانين على الاستمرار في مغازلة الوسط التشكيلي والتكسب المادي وهو أمر مشروع؛ والمبكي أن نتحول إلى السطحية والمادية كهدف يتسبب في انحدار المستوى الفني والتخلي عن قيم سامية للفن والمعارض.. كما أن الفن من أجل الفن مبدأ عند الفنانين لم يصلوا له حتى الآن، والفن لخدمة المجتمع والرقي به غائب؛ والدليل عزوف المجتمع عن زيارة المعارض، اللهم إلا من المدعوين دعوات شخصية للافتتاح، ثم بعده تصبح المعارض خاوية على عروشها، ولو وجد المجتمع نفعًا من معارضنا لقدم لها..
ويتابع باسم حديثه بقوله: لا نستطيع الحكم على رجال الأعمال بأنهم جميعًا غير متذوقين للفن؛ فالبعض منهم لم يقبل إلا لحبه للفن ورغبة منه في تشجيعه فليس المهم أن يقتني بعض الأعمال أو لا يقتنيها أبدًا ويكتفي بالافتتاح والتشجيع ثم ينتهي كل شيء؛ لكن السؤال هل سيرضي هذا التصرف الفنان أم يغضبه، هنا تكمن القضية، لذا أتمنى من مديري الصالات توعية الفنانين بأهمية المعارض لنهضة الفن وليس “لدوكرة” البيوت وتزيينها؛ فالفن لم يعد أصيلًا كله والموجة جرفت الكثير خلف حمى المادة أو سباق الشهرة، ورغم ذلك فلا تزال بعض الصالات الفنية تقدر دورها وتحترم مكانتها وتدرك سلبية تحول العرض إلى سوق لبيع الأعمال الفنية فقط دون هدف أو مضمون، فهي فقاعة ستزول وبسببها قد يزداد العزوف عن زيارة المعارض بسبب الرتابة والمادية فلا جديد ولا إبداع.
دعم مقدّر
وتنحاز ليلى مال الله إلى جانب رجال الأعمال وما يقومون به من دعم، قائلة: من الرائع جدًّا ألا يقتصر دور رجال الأعمال فقط على إدارة أعمالهم وشركاتهم؛ بل يكون لهم اهتمامات أخرى مثل المشاركة في افتتاح المعارض التشكيلية، ولهذا نقدر دور رجال الأعمال ودعمهم المتواصل لجميع فئات المجتمع وبخاصة للفنانين، والمشاركة في جميع الأنشطة الثقافية والاجتماعية ودعمها ليستفيد منها الوطن ويبدع فيها الموهوب ويبرز موهبته، فرجال الأعمال الداعمون بسخائهم هم ثروة حقيقية نفتخر بها وبدعمهم المتواصل ومجهوداتهم، ولا أعتقد أن في هذا الأمر أي سلبيات؛ فالفنان يحتاج إلى من يدعمه والداعم رجل الأعمال، فالجمال هنا يكمن بالتعاون، فيد واحدة لا تصفق..
تقدير الفن
ويعلق مدير صالة العالمية خليل نحلاوي على الظاهرة بقوله: افتتاح المعارض في الدول المتقدمة يكون بدون أي مفتتح؛ فصالات الفنون يهمها للمتلقي ومحب الفن التشكيلي والفنان وليس رجل الأعمال الذي قد لا يفهم العمل الفني ولا يقدر الفنان، ونحن في صالة العالمية لا نهتم كثيرًا بإحضار مفتتح وإنما نهتم بالمتلقي.
فئة مهمة
فيما يقول مدير صالة سيزان للفنون الفنان مشعل العمري: أعتقد أن رجال الأعمال هم فئة من المتلقين للعمل الفني خاصة وللإبداعات الثقافية عمومًا، ويتميز البعض منهم بالوعي المتعدد بأمور مختلفة قد يكون الفن التشكيلي أحد الاهتمامات التي يعون تفاصيلها بدقة نتيجة للثقافات التي تلقوها من خلال السفر والاحتكاك بالمجتمعات الأخرى المتقدمة ثقافيًّا، أو بالدراسة أو العمل أو العيش خارج المملكة بمجتمعات أخرى تهتم بالفنون وترعاها وتدعمها وتفتخر بفنانيها ومثقفيها نتيجة توافر الإمكانيات المادية المتاحة لهم، ويتمتعون بها عن غيرهم من الفئات الأخرى في المجتمع، كما أن البعض منهم يمارس الاهتمام بالفن التشكيلي من باب الاستثمار في العمل الفني من خلال العمل بالنشاط التجاري بمجالات الديكور وأعمال التصميمات والتزيينات الداخلية والخارجية أو باقتناء العمل الفني كاستثمار طويل الأجل مستقل بذاته له نتيجة مستقبلية ويمارس ذلك الدور بحرص ووعي خاص بقيم العمل التشكيلي الفنية والتاريخية وبالاطلاع على السيرة الذاتية للفنان، وقلة منهم من يفتتح المعارض كوسيلة للدعاية والإعلان الشخصي والبروز الذاتي بين أقرانه من رجال الأعمال والحرص على الظهور بمظهر الإنسان المثقف كراعٍ للفن التشكيلي ومهتم بالثقافة الوطنية وبما ينعكس على صورته الشخصية والإعلامية وكذلك على مصالحه التجارية أيضًا.
ويتابع العمري حديثه مضيفًا: أعتقد أنه لا يوجد سلبيات تذكر في وجود الفئة الأخيرة، فهم يعطون بقدر ما يأخذون أو حتى أقل من ذلك في عملية تبادل للمنافع، وبالتالي فإن وجودهم في الساحة له منافع مادية تنعكس على الفنان وصالة العرض ولا يمثل أي أضرار إذا عرف الفنان أو المثقف أو صالة العرض كيف يتماهى معهم في تلبية احتياجاتهم الشخصية للمظاهر والبريستيج دون تنازلات فادحة أو خطيرة تشكل خللًا في المستوى الفني، أو تحول في الحقل الثقافي. ولكي نكون منصفين دون التحيز لرأي متطرف فوجود رجال الاعمال مهم جدًّا في تنمية الساحة التشكيلية ورعايتها نتيجة لوجود شبه قصور حكومي في هذا المجال وبخاصة في رعاية صالات العرض ودعمها حيث إن الاستثمار بالثقافة عمومًا وبالفن التشكيلي هو استثمار طويل الأجل ويحتاج إلى فترة زمنية طويلة نسبيًا للوصول إلى نقطة التعادل ومن ثم تحقيق الأرباح، كما أنه يشكّل مخاطرة استثمارية كبيرة في مجتمعات تكاد تخطو خطواتها الأولى في ترسيخ قوانين حقوق الملكية ووضع قيم للعمل الفني وقواعد لتداوله تجاريًّا، وبالتالي فإن وجود الداعمين من رجال الأعمال يشكل البديل المؤقت لحين تبدل الوضع الحالي إلى الأفضل.
وعلى ذات النسق يقول مدير صالة اتيليه جدة هشام قنديل: إن اتجاه قاعات العرض لاستقطاب رجال الأعمال لافتتاح معارضها هو تأكيد أولًا للتواصل بين مختلف الجهات والمؤسسات الوطنية؛ وبالطبع ليس كل رجال الأعمال لهم اهتمامات تشكيلية وثقافية وبالتالي فإننا نحرص في أتيليه جدة على استقطاب القلة القليلة من رجال الأعمال ذات الحواس المرهفة المفتوحة، ولا شك أنها كانت خطوة جيدة في طريق دعم الفن التشكيلي بكل صوره وأشكاله وأساليبه وليس بالضرورة أن يقتني مفتتح المعرض من لوحات الفنانين، مع العلم أن العديد من رجال الأعمال يقتنون اللوحات والمجسمات دون أن يفتتحوا المعرض، فالعمل الجيد سيفرض نفسه في النهاية سواء كان هناك مفتتح للمعرض أو بدون افتتاح، بدليل أن كثيرًا من معارض الأتيليه المهمة افتتحها أدباء وفنانون مثل الأساتذة: عابد خزندار ود. سعيد السريحي، ود. عبدالله منّاع، ود. رضوي، وضياء عزيز، وطه الصبان، ومع ذلك حققت هذه المعارض مبيعات لا بأس بها. كما أن هناك معارض مهمة نظمها الاتيليه بدون افتتاح أصلًا.
ويختم قنديل بقوله: إن الفن التشكيلي لن يرقى في مجتمع حيوي إلا بثلاث طرق: أولها اجتماعيًّا بالتقدير، وثانيها اقتصاديًّا بالرعاية، وثالثها بالحرية وهي الأهم، إن الرعاية مهمة وضرورية لكل فنان ولكن لا حاجة لربط هذه الرعاية بالعبودية، والرعاية الحقيقية هي تقدير لعبقرية الفنان واعتراف بحقيقة أن الخاصية التي نسميها فنًّا تشكيليًّا لا يمكن أن تقابلها مصطلحات الكم الاقتصادي، وتاريخ الفن يذكر أن هناك فنانين عاشوا بدون أي تقدير في حياتهم ولكن نالوا كل التقدير بعد مماتهم، وأبرز هؤلاء الفنان فان جوخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.