نعم، الموت حق، وكل النفوس ذائقته، ولكنّ بني البشر طبعوا على الحزن على فراق غاليهم، من والدَيْن وإخوة وأبناء، بل جميع محبيهم من زملاء ورفاق، ومَن لهم دور مشرف في الحياة أمثال الصديق الوفي الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي (أبو طلال) الذي توارى عن الوجود حميدة أيامه ولياليه يوم الثلاثاء 27-11-1440ه بعيداً عن وطنه ومهوى رأسه محافظة عنيزة إحدى كبريات مدن القصيم.. حيث لاقى وجه ربه في فرنسا.. ثم حُمل جثمانه الطاهر إلى الرياض؛ فأديت صلاة الميت عليه في جامع البابطين شمال الرياض بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 28-11-1440ه وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة، وعدد من محبيه وزملائه.. داعين المولى له بالرحمة والمغفرة. وصدق الله القائل في مُحكم كتابه العزيز آخر سورة لقمان: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا. وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. وقد ذكر الفقيد (أبو طلال) في كتابه (مشيناها) الطبعة الأولى (صفر 1440ه) هذين البيتين اللذين ينسبان لأبي العلاء المعري: ولم يدر بخلده وهو يكتب البيتين أنهما ينطبقان عليه؛ لأن الآجال مخفية في ضمير الغيب؛ لا يعلمها إلا فاطر السموات والأرض - جل ثناؤه -. وكان - رحمه الله - ولوعاً بالأسفار والرحلات وتسريح نظره في معظم أرجاء الدنيا.. معطياً نفسه حقها ونصيبها من متع الحياة المباحة برفقة أسرته في غالب الجولات.. وكأنه قد حفظ بيت أبي الطيب المتنبي القائل: ولقد وُلد في عنيزة عام 1363ه، ثم بدأ تعليمه في أحد الكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم، ثم واصل دراسته النظامية متخطياً المراحل الثلاث: الابتدائية والمتوسطة مع الثانوية، حتى حصل على ليسانس، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1383ه - 1963م والبكالوريوس من جامعة الملك سعود 1385ه - 1965م. بعد ذلك حصل على ماجستير في الإعلام - جامعة كانساس 1388ه - 1968م، ثم الدكتوراه في الإعلام - جامعة أوهايو 1391ه 1971م، وكان ملماً باللغتَين الإنجليزية والفرنسية معاً، وله إسهامات لا تُنسى في تأسيس إذاعة الرياض وتلفزيون الرياض، وقد تسنم عدداً من الأعمال: أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود، ووكيل وزارة التعليم العالي، الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات سابقاً، عضو في مجلس الشورى لثلاث دورات متتالية وعضوية بعض المؤسسات الخيرية الثقافية.. وحصل على جائزة (الأمير) الملك سلمان لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه عام 1424ه - 2003م، وجائزة (الأمير) الملك سلمان التقديرية لبحوث الجزيرة العربية 1435ه، وقد سعد بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى (الجنادرية 31) 1438ه - 2017م. وقد اختصرنا ذكر الكثير من أعماله الجليلة خشية الإطالة؛ فهي غير خافية على الجميع؛ فحياته كلها كفاح وعلم وأدب.. تغمده المولى بواسع رحمته. وقد كان لطيفاً في حديثه، وأنيقاً في ملبسه ومظهره، محبوباً في مجتمعه: ولنا معه ذكريات جميلة لا تغيب عن الذاكرة مدى عمري. ولا أنسى تشريفه منزلنا في عدد من المناسبات السعيدة هو وكوكبة من الزملاء والأصدقاء، وإهداءه لنا الكثير من الكتب النفيسة وغيرها من الهدايا القيمة الثابتة التي ستظل منورة داخل مجلسي مدى الأيام ذكرى عطرة لأخي الكريم أبي طلال. كما سعدت بزيارته في منزله بصحبة أحد أبنائي قبل رحيله بشهور قلائل.. فأكرمنا بإهدائه آخر ما صدر من مؤلفاته الكتاب النفيس «مشيناها خطى كُتبت علينا..»؛ فهو كريم السجايا، يستعذب الناس ذكره، قلّ أن تجود الأيام بمثله كرماً وتواضعاً وحسن تعامل مع الغير.. ولقد أجاد الشاعر القائل: تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم أسرته وبُنيتَيْه: شادن ورشا، وعقيلته أم طلال، ومحبيه الصبر والسلوان. ** **