المرء يسير في حياته يميناً وشمالاً لا يدور بخلده مفاجأة شعور مفرق الأحبة والجماعات، ولا يعلم ما في ضمير الغيب ما الله صانع فيه، فبينما يُرى الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن إبراهيم العسكر - أبو نايف - يسير في بعض طرقات مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، وقد يكون متأبِّطاً بعض الكتب - كعادته - إذا به يقع على الأرض إثر حادث مرور فجأة حيث فرت روحه الطاهرة إلى بارئها فجر يوم الجمعة 24 / 10 / 1437ه بعيداً عن أهله وأسرته، وعن مهوى رأسه ..... - رحمه الله -، وهذا مصداق لقول الله سبحانه وتعالى في آخر سورة لقمان {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (34) سورة لقمان. وقد حزنتُ حُزناً شديداً لرحليه المفاجئ العاجل، لعلوِّ مكانته ولطفه ودماثة خلقه، وابتسامته التي لا تبرح محياه، فهي من الصفات المحببة التي تشرق في شعاب النفوس، فأُحضر جثمانه إلى أرض الوطن وأُدِّيت صلاة الميت عليه بعد صلاة العصر يوم 25 /10 / 1437ه بجامع الملك خالد بأم الحمام، وقد حضر جموع غفيرة من أسرته ومعارفه ومحبيه، ثم تبع نعشه عدد كبير إلى مراقد الراحلين بمقبرة أم الحمام، داعين المولى أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته. وكانت ولادته عام 1371ه بمدينة المجمعة، وعند بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بالمرحلة الابتدائية، وكانت مخايل الذكاء تَلُوحُ على محياه فطنةً وحفظاً لبعض النصوص والأناشيد المدرسية، مواصلاً دراسته بالمرحلتين المتوسطة والثانوية ...... ويُعدُّ من طلبة الدفعة الأولى في ثانوية المجمعة عام 1389ه وكان مثالاً في الجدِّ والمثابرة في التحصيل العلمي والأدبي، محبوباً لدى زملائه ومعلميه ....، بعد ذلك التحق بجامعة الملك سعود (بكليتي الآداب والتربية) بتخصص التاريخ تخصصاً رئيساً، واللغة الإنجليزية فرعياً، حيث نال شهادة البكالوريوس عام 1394ه بعد ذلك صدر قرار بتعيينه معلماً في المرحلة الإعدادية عامين، فمعيداً بجامعة الملك سعود، ثم ابتعث إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لإكمال الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا - لوس انجلس - ودرس تاريخ الإسلام وركز على تاريخ الجزيرة العربية في العصور المتقدمة والوسطى - وأكمل رحلته بدرجة الدكتوراه بتميز عام 1406ه، وبعد عودته عُيِّن أستاذاً بقسم التاريخ في جامعة الملك سعود، وكان صحفياً بارزاً وكاتباً في صحيفة الرياض لسنوات طويلة حتى قبيل وفاته، فحياته كلها علم وكفاح، وقد استقينا بعض المعلومات عنه عبر هذه الصحيفة «الجزيرة»، فأبو نايف - رحمه الله - موسوعة علم وتاريخ نال بذلك إعجاب الكثير والاحترام، وله حضور مميز في المحافل داخلياً وخارجياً، ولنا معه بعض الذكريات الجميلة حيث شرَّفنا بزيارة ودية في منزلنا بحريملاء منذ سنوات هو وأحد إخوته الأفاضل، ثم قمنا بجولة داخل البلد القديمة مُرُوراً على منزل الشيخ محمد بن عبدالوهاب الأثري مترحمِّاً عليه وداعياً له بالمغفرة ومضاعفة حسناته جزاء ما قدمه من أعمال جليلة في محاربة البدع والخرافات، وتوحيد العبادة لرب العالمين، والاقتداء بهدي سيد المرسلين محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، كما كنا نسعد بفي بعض المنتديات، وفي خميسية علاَّمة الجزيرة الشيخ حمد بن محمد الجاسر - رحمهما الله جميعا- التي تضمُّ نخبة من العلماء والأدباء...., وغير ذلك من المناسبات السعيدة، وستظل تلك الذكريات الجميلة معه ماثلة في خاطري مدى العمر، ولك أن تتصَّور حال عقيلته أم نايف المفجوعة برحيل إلفها وهي تنظر إلى جثمان زوجها الحبيب بعد عودته من الإسكندرية وبها ما بها من لوعات الحزن - كان الله في عونها وعون ابنها نايف -: - تغمده المولى بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وإخوته وابنه نايف، وعقيلته - أم نايف - ومحبيه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.