ماذا كان يدور في خلد الطبيب العربي الشهير الحارث بن كلدة، الذي كان من أشهر أطباء العرب قبل الإسلام، وهو يطلق عبارته الأشهر: المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء، ولماذا قالها؟، وهل توصل إليها من خلال تجارب أو خبرات طبية، فقد تجاوزت مقولته المرحلة النظرية إلى أن تكون أقرب للحقيقة العلمية، بل قد تصبح أهم فكرة ثورية في الطب الحديث، وقد تغير كثيرًا مما نعرفه عن الأمراض.. لمعرفة العامة كانت تتناول أن هذه الميكروبات تؤثر فقط على الهضم والحساسية والتمثيل الغذائي، لكن تأثير الميكروبات وصل إلى أدمغة البشر وحالتهم النفسية، فقد توصل مجموعة متزايدة من الباحثين حول العالم كيف أن هذه الميكروبيوم، أو النظام البيئي البكتيري، له تأثير على دماغ الإنسان، لقد وجد العلماء أدلة على أن هذا التجمع الهائل من البكتيريا، يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في أمراض الدماغ مثل القلق والاكتئاب.. يشمل التفكير الحالي في مجال علم النفس العصبي ودراسة مشاكل الصحة العقلية نتائج مشجعة بأن الاضطراب الثنائي القطب والفصام وغيره من المشكلات النفسية أو العصبية قد ترتبط أيضًا بالتغيرات في الميكروبيوم أو بيئة البكتريا في الجهاز الهضمي، ويتوقع الباحثون أن أي خلل في التوازن الطبيعي والصحي للبكتيريا في الميكروبيوم يمكن أن يتسبب في رد فعل الجهاز المناعي والمساهمة في التهاب الجهاز الهضمي، مما يؤدي بدوره إلى ظهور أعراض المرض التي تحدث ليس فقط في جميع أنحاء الجسم، ولكن أيضًا في عقلك.. قد تفسر هذه النتائج الجديدة سبب إصابة نسبة أعلى من المعتاد للأشخاص الذين يعانون من التهاب القولون العصبي ومشاكل الأمعاء الوظيفية بالاكتئاب والقلق، كما تتجه الأبحاث لتأكيد صلة مرض الباركنسون بأمراض الأمعاء، وقد يؤدي فهم دور القناة الهضمية في مرض باركنسون بشكل أفضل على فهم أصل المرض وتحسين العلاجات، وهناك أدلة متراكمة على أن مصدر المرض العصبي في القناة الهضمية مع احتمال تورط مجاميع البروتين غير الطبيعية، والالتهاب الموضعي، وميكروبيوم الأمعاء... أدى التقدم الصناعي في تكنولوجيا الأغذية إلى جانب تفضيل المستهلك إلى تبني الأطعمة المعلبة، ذات المعالجة الفائقة على نطاق واسع، وخصوصاً ذات الكثافة العالية من السعرات الحرارية، ويعتبر هذا أحد الأسباب الكامنة وراء وباء السمنة الحالي، وكثير من الأمراض، وهو ما يعني أن النظام الغذائي يؤدي دورًا أساسيًا في تشكيل تكوين الكائنات الحية الدقيقة في القناة الهضمية، وبالتالي يمكن لنشاط الأنشطة الميكروبية التأثير على الإنسان من خلال إنتاج خلايا وسلالات جديدة من البكتريا التي تتكاثر على الأغذية المصنعة.. خلاصة الأمر أن بعض أمراض الإنسان لها علاقة طردية بما يتناول من غذاء، وأن ما يشتريه كغذاء معلب من رفوف الأسواق قد يكون سموم له، وغذاء فعال لتكاثر البكتيريا الضارة، فالتدخل الصناعي في تقديم وجبات لذيذة وغنية بالسكريات والدهون أدى إلى كوارث بيئية في معدة الإنسان، وإذا لم يخرج من هذه الدائرة سيظل يعاني من قلق أو اكتئاب، وغيرها من الأمراض المزمنة، فالمعدة بحق، وكما قالها ابن كلدة، بيت الداء وقصره العامر..