وجهان لعملة واحدة، هي الجمال، غطاؤها الحياء، ومصرفها العفة والنقاء. تلك عملة نادرة، في زمن رخص فيه الحسن بعد أن دنّسته الغواية وصورها المتمثّلة في الغواني وأشباههن اللائي يغرهن الثناء. كن فيما مضى يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به، واليوم هم الصرعى، لأنهم ما زالوا أضعف وأحسن خلق الله إنسانا. ذلك واقع الجمال والحسن في حياة الماديين، يُستأنس بداية، ثم يُدجّن ليصبح الوجبة الأغلى على موائد اللئام. مرحبًا بالجمال وهوالمخاتل ضاحكًا، المختال دائمًا من الحسن حتى كاد أن يتكلما. ما أن يحل شامتنا بصفته العملية، وقبلها أناه في المكان، إلا ويصبح سيده وآمره وناهيه، الجميع يهبون وحدانًا وزرافات ينتظرون أمرًا أو نهيًا، يرقبون طلبًا أو سؤالا علهم يسعدون بتلبيته أو إجابته، وصاحبنا يشكر الواهب الذي اصطفاه وجمّله وكمّله، فطوّع له جموع الشوارب وأشباه اللحى، ليلبوا رغباته واحتياجاته، مرددًا في نفسه قول ذلك الخليفة العباسي العظيم: (أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجك). والخراج هنا، نفوس تهب لرضاه ومساعدته، كل من مكانه واختصاصه وعلمه وخبرته. شيء وماء، قدره أنه للحسن مرجع، وللجمال منبع، وللخلق والحسب أصل، وللفصاحة فصل ووصل وفوق ذلك كيد عظيم لا يجعله يلين، ليمنعه من الوقوع في سقطات الخنى والزلل. أما صنعته فهي أشرف علوم الدنيا، فقيه في اختصاصه وحرفته، سخّره الله لأصحاب الحاجات من المكلومين والمتعبين، هو الآس الذي يطبب الجراح في مكان، وينكأها في مكان آخر، وبين المكانين يكمن حضوره وتتجلى إنسانيته ويشرق نوره كشمس ساطعة، إذا طلعت أرخى الظلام سدوله على بقية الكواكب. ** **