كان المواطنُ الصالحُ صالح يقرأُ بتمعنٍ وإعجاب في تاريخِ الطبري، حتى وصل ووقف عند القصة المشهورة للخليفة العباسي هارون الرشيد رحمه الله عندما نظر إلى تلك السحابة المارة من فوقه بكل اطمئنان وهدوء وهو يحاكيها ويقول بلسان الواثق: أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك! بعد ذلك أغلق الكتاب منتبهًا ومتحفزًا لصوت المذيع الشهير الذي لا يأتي صوته إلا في المهمات والملمات وهو يُعلن عن صدور ميزانية الخير لهذا العام، وفيها من المبشرات والمفرحات ما يجعله ينام من ليلته حالمًا مطمئنًا مفكرًا بمستقبلٍ أجمل، تتحقق فيه الأمنيات والأحلام على أرض الواقع. ثم أخذت صاحبنا الصالح نعسةٌ فنام وهو يستحضر ما قرأ وما سمع، ثم رأى في منامه أن ميزانية الخير -التي سمع عنها- تحوّلت -بما تحمله من خير- إلى سحابةٍ عظيمةٍ داكنة اللون من ثقل ما تحمل من غيثٍ مُتوقّع، فتذكّر سحابة هارون الرشيد الشهيرة، ولكنه لم يقل ما قاله هارون: أمطري حيث شئت، بل قال بصوتٍ عالي أفزع من حوله من النائمين: أمطري فوق رأسي!! نعم فوق رأسي! أريد أن أبُلِّلَ بغيثك شفتاي الناشفتين! أريد أن ترتوي كبدي الحارة بمائك العذب الزلال! أريد أن أغرق أغرق حتى أحس وألمس أن الماء حقيقة لا سراب! ثم أفاق صاحبنا من نومه ونعسته، وسط ذهول من حوله وفضولهم، فما كان منه إلا أن وقف على قدميه وقال متقمصًا دور المذيع المفعم بالثقة والحيوية، أبشروا فإن الخير قادم والسحابة ستمطر فوق رؤوسكم!! نعم فإن ميزانية الخير وكما قال ولي الأمر وفقه الله: نأمل أن تسهم في تحسين مستوى معيشة المواطن.. فهي لي ولك ولكل مواطن، ولا بد أن تُترجم لواقع ملموس، واقع أغتني من الفقر والحاجة، واقع أجد فيه ما يوفر لي العلاج المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب وأنا محتفظ بكامل كرامتي دون حاجةٍ لشفاعةٍ أو منةٍ من أحد! نريد واقعًا أجد فيه التعليم الجيد الذي يبني الفكر والثقافة ويؤهل جيل لتحمل المسؤولية، ويرعى الفضيلة والقيم. أريد أن أعيش وأسرتي في خير وعافية، وأن أستفيد من هذا الخير بجهدي وعرقي، وأن أعيش ميسور الحال هادئ البال.. فهل أحسنتُ وأجدتُ المقال؟!