ليس من المحظوظين دائمًا لحضور المناسبات الإدارية، فهو مغمور على مستوى الحضور والحظوظ، فعلاقاته محدودة، ومحصورة في إطار العمل، لا يملك حديقة خلفية من الحلفاء أو الزملاء ليكونوا الرافد الذي يردفه ويدفعه ويؤازره عند الملمات، ولا يوجد عنده تحالفات أو صفقات تجعله في مأمن من أي تدخل قد يعيده إلى الوراء في ساحة الشطرنج الإدارية التي لها كبارها ومساعديهم. هو معزول بحكم السائد من قوانين وأعراف إدارية ترى فيه نسقًا مختلفًا لا يتوائم مع الأنساق السائدة عادة، ومعتزل بحكم ما يؤمن به من فكرة مفادها، عملك هو هويتك وتجويده هو شخصيتك. تمت دعوته (لكرنفال) إداري، حضر وكان الغريب في جوقة الحضور، كان النشاز الذي يعكر سيمفونية اللحن الخالد، فمعارفه قلة، لم يستطع تجسير علاقة كلامية وقتية تنقذه من حرج النظرات الشزر التي صوبها نحوه (بعض) الحرس القديم، وأعينهم التي كانت تضج بالسؤال الغريب، ما الذي جاء به ؟. وجد في أحدهم مكانا أناخ فيه خجله ورغبته في الانزواء بعيدا عن الآخرين، تبادلا بعض الأحاديث التي كان يقطع انسيابها قيامهما للترحيب برفيق جديد يدلف إلى ساحة الاحتفال. اكتمل نصاب المدعوين، وأخذ كل واحد منهم مكانه حسب أهميته واهتمام الآخرين به، بُدئ الحفل الخطابي المعد بمثل هذه المناسبة، وبدأ الملل يتسرب إلى الحاضرين، وبدأ النعاس يداعب العيون. لا جديد في مثل هذه الاحتفالات، فالرتابة في العرض حاضرة، والشخوص هم الشخوص، ومن يقف اليوم ليتكلم، يعود في مناسبة أخرى ليصفق، فالجميع بين حالتين الأولى كلامية والثانية تصفيق وانبهار بمشهد تعاد تفاصيله بين الفينة والأخرى. ما الجديد ؟ عنوان إداري جديد، لمتن باق لم يتغير، ولن يتغير، فالمتن كثير وكبير، وتغييره صعب إن لم يكن مستحيلا، أما العنوان فهو مجرد عتبة تفضي إلى نص تنفّذ أفراده وتكاثروا، وأصبح المساس به وبهم أو التفكير بتغييره وتغييرهم، خطيئة لا تغتفر، وذنب يقود إلى عقوبة إدارية موجعة لا تحتمل ولا تُنتظر. لذلك يعمد البعض إلى الانضواء إلى هذا المتن والانزواء خلف رموزه الأقدر على البقاء دائما في وجه كل تغيير إداري قد يعيدهم إلى غياهب النظام لعلمهم أن المتن نص ينبغي حفظه والحفاظ عليه، فلا اجتهاد في حضوره، والعصمة الإدارية لأفراده، أما الآخرون فهم مجرد كلمات كالعناوين، تكتب تبعًا للمرحلة وما تتطلبه من سياسات وإجراءات إدارية مؤقتة تزول بزوال المؤثر ليظل المتن باقيًا ويبقى أفراده ما بقي اللحاء. ** ** **