لا يمكن أن تغير الإنسان إذا لم تستطع أن تغير أفكاره. كلام بدهي سيكتمل إذا قلنا: الإنسان هو ما يؤمن به وما تقوده إليه مصالحه. أعتقد أن هذا يتفق على مستوى الدول والإدارات والمصالح والمؤسسات والأفراد. في تعليقي على العقود الكبيرة التي أبرمتها وزارة الصحة مع الحكومة البريطانية قلت في مقالي إعادة بناء وزارة الصحة إداريا من الصفر: الإدارة ليست تمشية معاملات وصرف فلوس وموظفين. هي الفكر السائد في المؤسسة التي تتوارثه أجيال العاملين فيها. استبعاد مدير ووضع مدير آخر لا يمكن أن يؤدي إلى تتغير الفكر في هذه الإدارة. كما جرت العادة يتغير الفرد تحت ضغط الجماعة. سيقاوم ثم يقاوم والنتيجة أمران: إما أن يتكيف ويتفق مع الجماعة ويضبط مصلحته مع الواقع القائم، أو ينفي. حتى لو جاء هذا الفرد على رأس الإدارة ويملك كل الصلاحيات، في البداية يجاريهم - على قاعدة لا يمكن أن تغير الناس في يوم وليلة - ثم يبدأ في التصارع معهم. هو يعرف أنهم على خطأ وهم يعرفون كل الأسرار، يقدمون له المصاعب المستحيلة.. في الأخير يذعن. طرحت قبل سنوات فكرة تطوير إحدى الصحف السعودية المنهارة، قرأت كلاما لأحد المساهمين في الجريدة قاله بعد فشل المحاولات: الأسهل أن تبدأ جريدة جديدة على أن تطور جريدة خربة. ما الذي يعنيه هذا الكلام؟ تفريق الجماعة الذين تلبسوا فكرا إداريا معينا.. إزالة المنظومة (الفكرية) التي يشكلونها ويتوارثونها. المفهوم الإداري هو مجموعة من الايمانات والتصديقات التي لا يملك أصحابها إمكانية الإقلاع عنها. عندما أطلق سمو وزير التربية والتعليم فكرة تكوين شركة لبناء المناهج خارج الوزارة استبشرت خيرا. لا أعرف ما الذي حل بها، لكن إذا نقل لها أفراد من الوزارة فهذا يعني أن الأمر سيبقى على ما هو عليه. أذكياء من يحاولون الإساءة لبرنامج خادم الحرمين للابتعاث. مجموعة الشباب المبتعثين سيعودون من خارج الفكر الإداري المحلي. ما يدور في الوقت الراهن من صراعات تحديثية ليست سوى إرهاصات معظمها سطحي لا تملك في داخلها أي قدرة على التغيير. أصحاب الفكر التحديثي يوظفون نفس الشعارات مع بعض التوسع لجعلها تستوعب التغيير. يطرحون أفكارهم في نفس الوعاء الراسخ الذي أنشأه خصومهم. بعد سنوات قليلة ستنشب المعركة الحقيقية.. سيقوض برنامج خادم الحرمين مفاهيم كثيرة. تغيير البنية الفكرية الإدارية لوزارة الصحة هو السبيل الوحيد لنجاح هذه الوزارة. أنا على ثقة أن كل مدير في وزارة الصحة يعرف ما هو واجبه ويعرف أفضل الأفكار لتطوير إدارته لكنه لا يستطيع. يكتفي بالتذمر. ما جعلني اطرح وزارة الصحة لا أي وزارة أخرى (ليس لأنها الأفضل أو الأسوأ)، ولكن لأنها الوزارة التي تبدو في مظهرها الخارجي ان لا علاقة لها بالأيدلوجيا. أي تغيير فيها مهما كان جذريا سيكون مقبولا من الجميع، ولكن هذا غير صحيح. المقاومة داخلية متوارثة مشتبكة مع المصالح. نشيد في كل مناسبة بشركة أرامكو ونستعين بها في المهمات الصعبة. أرامكو سعودية والقائم عليها سعوديون مثلهم مثل الآخرين في الإدارات الأخرى. أين مصدر تميزها؟ الإجابة على هذا السؤال بأمانة يحل لغز التنمية الكبير.