تركز زيارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخارجية، بشكل واضح، على الجوانب الإستراتيجية؛ فهي أقرب للمنظومة المترابطة والمتداخلة فيما بينها، وكأنما رسمت لتحقيق أهداف تكاملية إستراتيجية، وزعت بعناية على مواقع جغرافية متفرقة. البعد الجغرافي أحد أركان الإستراتيجية الاقتصادية السعودية الجديدة. التوجه نحو الشرق بات جزءًا رئيسًا من برامج إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية بهدف تحقيق التوازن الأمثل، وتوزيع المخاطر، وتعزيز الشراكات النوعية المحققة للمصالح الوطنية الشاملة. أزعم أن رؤية 2030 أعادت ترتيب أولويات المملكة، ما أسهم في إعادة تشكيل العلاقات الخارجية على أسس من الشراكات السياسية، الاقتصادية، التجارية والاستثمارية. المتمعن في زيارات الأمير محمد بن سلمان لباكستان، والهند، والصين، يجد بينها الرابط السياسي والاقتصادي المهم، والشراكة الإستراتيجية التي لا يمكن فصلها أو تجاهل بعض جوانبها المهمة. ترتبط الدول الثلاث بحدود جغرافية، وتتميز كل واحدة منها بمزايا اقتصادية مهمة للمملكة، والمشروع التكاملي في المنطقة الذي يتشكل عبر «طريق الحرير». لم يعد خافيًا اهتمامًا الصين بالاستثمار في باكستان والدول الآسيوية الأخرى؛ حيث يشكل «الكوريدور الاقتصادي» قاعدة الشراكة الاستثمارية بين البلدين، وهو المشروع الذي تهتم به المملكة وتسعى للدخول فيه كشريك إستراتيجي؛ من خلال ثلاثة محاور رئيسة الأول الاستثمار في المدن الاقتصادية على طول الطريق البري؛ والثاني الاستثمار في ميناء «جوادر» على بحر العرب؛ والمحور الثالث الاستثمار في مصفاة النفط الكبرى. وبالتالي يظهر الترابط الإستراتيجي بين زيارتي باكستانوالصين، والمخرجات المتوقع تحقيقها في الجانب الاستثماري أولاً؛ والجانب السياسي أيضًا؛ فباكستان أحد أهم الدول الإسلامية المنخرطة في جهود محاربة التطرف والإرهاب، والداعمة للوسطية في المنطقة، ومن خلالها يمكن وقف التمدد الإيراني في أهم الدول الإسلامية. ستفتح الاستثمارات السعودية آفاق الدعم الاقتصادي التنموي لباكستان، وتعزز مواردها المالية، وكفاءة البنى التحتية في المناطق المستهدفة بالاستثمار؛ وستحقق البعدين الاستثماري والسياسي الإستراتيجي للمملكة؛ خاصة ما يتعلق بالمصفاة وميناء جوادر والكاريدور الصينيالباكستاني الذي سيجعل طرق التجارة بين السعودية والصين أكثر قربًا وأمنًا مما كانت عليه من قبل. ومن المتوقع أن تحقق زيارة ولي العهد للهند بعض الأهدف السياسية والاقتصادية المعززة لإستراتيجية المملكة في قطاعات الطاقة، البتروكيماويات، التقنية، الزراعة، والسياحة وهي قطاعات مستهدفة بالاستثمارات السعودية. تعد الهند أحد أكبر الاقتصادات العالمية والأكثر نموًا واستهلاكًا للنفط ما يجعلها سوقًا مهمة للمملكة التي توفر حاليًا ما يقرب من 20 في المائة من احتياجاتها النفطية ما يعني إمكانية تعزيز صادرات النفط لها، والتوسع بشكل أكبر في إنشاء المصافي والمشروعات البتروكيماوية. الهند أحد أهم مراكز التقنية في العالم، ومن الطبيعي أن يكون للمملكة استثمارات متقدمة فيها، وهو ما أعلن عنه سمو ولي العهد في مؤتمره الصحفي المشترك. عودًا على بدء؛ أجد في زيارات سمو ولي العهد العمق الإستراتيجي الداعم لاستقرار المنطقة أولاً والمعزز لاقتصاد المملكة، والمحقق لشراكات نوعية ستسهم بشكل مباشر في دعم التحول الاقتصادي المنشود، وتعزيز الاستثمارات السعودية في الخارج، ودعم العلاقات السياسية المشتركة وتشكيل الأحلاف الدولية من خلال الشراكات الاقتصادية العميقة.