هناك معتقد شائع وذائع الصيت لدى الجيل الجديد من (الأُدباء) يربط النجاح الأدبي بكثرة المبيعات وعدد المُتابعين على Twitter بطريقةٍ طردية تصاعدية، وهو معتقد ساذج إلى أبعد حد لأنه يُخل أولاً بأبسط أبجديات القياس وهو تحقيق «المعيار الأدبي» أثناء التقييم، ويتجاهل الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة المبيعات. ليس لأنه لا يعرف شيئًا عن هذه الأسباب ولكنه يتجاهلها عمدًا. وحتى لا يظهر عليّ من يقول إن «الكتاب» سلعة الكاتب ومن حقه التسويق لها، فإني لا أتحدث هنا عن التسويق كسببٍ لارتفاع نسب المبيعات وزيادة المتابعين، بل عن أشياء أخرى تختلف تمامًا عما يدور في ذهنك. النجاح الأدبي ليس له أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالانتشار وحجم المبيعات، وعلى سبيل المثال فإن كافكا لم تنتشر أعماله وتحقق هذه التداول الواسع الذي نراه اليوم في المشهد الأدبي إلا بعد مماته بسنوات طويلة، وها هي تشتهر للحد الذي يجعل مقولاته مادة دسمة للمغردين، فيما تتلقف دور النشر أعماله الأدبية وتعيد ترجمتها مرارًا وتكرارًا. أما فيكتور هوجو فلا تخفى قصته على أحدٍ (مُهتم) بالأدب ولو على نحوٍ بسيط، حين عانى الأمرين من أجل نشر رائعته الخالدة «البؤساء». أما عملاق الأدب الروسي الشهير جدًا فيودور ميخائيلوفيتش دستويفسكي الذي شكل مع تورجينيف وتولستوي مثلث القصة الروسية في القرن التاسع عشر بحسب قول الناقد الروسي ميرياجوفسكي، فقد كتب يومًا: «إنهم لا يدفعون لي ما أستحق، جعلوني أكتب بسرعة، لماذا أنا الفقير أتقاضى مائة روبل فقط عن كل ملزمة، بينما يتقاضى تورجينيف أربع مائة روبل؟ جعلوني أكتب بسرعة من أجل المال، فأفسدوا عملي..» وإن كان دستويفسكي هنا يتحدث عن المبلغ الزهيد الذي يدفعونه له، فإنه يعني بلا أدنى شك دور النشر التي لم تقدر عمله بدلالة المبالغ القليلة التي يتقاضاها. كما وأن هناك معلومة غائبة عن ذهن الكثير من معشر الأدباء الجدد هي أن دستويفسكي برغم كل ما كتب، لم يحقق الشهرة إلا بعد رواية «المساكين». أخيرًا أقول إن تسويق الأعمال ليس عيبًا، ولكن ما يُفسد العمل الأدبي هو الانحدار إلى ما يرضي الذائقة بسردية أشبه ما تكون بتعبيرات طلاب في المرحلة الابتدائية، أي في بداية تكوينهم اللغوي، وكل ذلك من أجل التظاهر والمماراة بكمية الإصدارات، أو لضمان انتشار عباراتهم في (سنابات) المراهقين والمراهقات، كما وأن الدخول إلى عالم الكتابة والأدب بعقلية (التاجر الشريطي) مفسدة للأدب أي مفسدة، لأن التاجر لا يهتم إلا بالربح المادي فحسب، لذلك فإن (الأديب) المُدعى سوف يضطر هنا لدفع المبالغ الطائلة من أجل الإعلان لكتابة بطرق تمويهية، أو شراء عدد من المتابعين الذين لا يقرأون الكتب وإنما يبحثون عن «الرتويت» من هذا الكاتب أو ذاك. المضحك في الأمر أن البعض يشتري تعليقات الآخرين على كتبه، ومع مرور الزمن يُصدق -كذبته- ويعتقد أن نفاد كتبه من على الرف يعود لجدارة حرفه وليس بسبب شرائه للقراء، واستدراجهم «لكتابه» بالمسابقات الساذجة البلهاء. ثم يقولون «مبيعات»! هه. يا لسخرية المبيعات..!