نعاني نحن العرب من تعاملنا مع أزماتنا من خلال ردود الأفعال، وهذا ما يجعلنا عرضة للفشل في غالب الأحيان، ننتظر أن تحدث الأزمة، وتعصف بنا، وتدمرنا، ثم نستيقظ ونلتفت بحثًا عن حل عاجل ومؤقت لها، ولعل العراق يعتبر نموذجًا واضحًا لذلك، وأبرز أزماته ما حدث مؤخرًا بالنسبة لنهري دجلة والفرات، وما تتعرض له العراق من تجفيف وتهديد لأمن المياه من قبل تركياوإيران، خاصة أن غالبية الأنهار والجداول التي تصب في إقليم كردستان تنبع من دول مجاورة، خصوصا تركياوإيران اللتين تعملان منذ سنوات على خنق العراق، ولا تلتزمان بالاتفاقات المائية المشتركة مع الإقليم، وترتكبان جريمة تجفيف مصادر المياه الآتية إلى الإقليم ببناء السدود! فمثلاً تركيا، تعمل منذ سنوات على بناء نحو 22 سدًّا، منها 14 على نهر الفرات، و8 على نهر دجلة، التي بدأت تظهر آثارها الواضحة والكبيرة على خفض نسب المياه التي تدخل إلى العراق وإقليم كردستان، ولم يقتصر الأمر على تركيا، بل حتى إيران التي دخلت العراق الشقيق وأشعلت الطائفية فيه، وعبثت في مقدراته، حاربت هذا الوطن العربي العزيز، وبنت أنفاقاً ومشاريع إروائية ضخمة لتغيير مجرى نهر سيروان، الذى يأتي 70 % منه من الأراضى الإيرانية ويصب في بحيرة دربنديخان في محافظة السليمانية، كل هذه الاعتداءات التركية الإيرانية تكالبت على عراق منهك لم يكد يدرك هيمنة إيران واستغلالها، حتى اكتشف ما فعلته الحكومات العراقية السابقة من إهدار حقوق هذا الشعب العظيم. إن على العالم بأكمله، بهيئاته ومنظماته، السياسية والبيئية، مسؤولية أخلاقية تجاه كل ما يحدث على أرض العراق، من اعتداءات وعبث في مكوناته وطبيعته، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة التي تركته أعزلاً ومدمراً ومنهكاً يواجه مصيره أمام أطماع الدول المجاورة والمتربصة، التي ضربت بكل الحقوق والاتفاقات المائية الدولية عرض الحائط! وأجزم أن العراق الشقيق لم يكن يومًا بحاجة إلى أشقائه العرب أكثر مما هو عليه الآن، رغم أن معظم الدول العربية لم تستيقظ بعد من نكبات الخريف العربي، الذي عصف بكثير من مقدراتها وأمنها ومستقبلها.