في حياة كل واحد منا أيام و ليال كثيرة ومثيرة تعلق بالذاكرة ولا تنسى أبدا. ربما تختفي في الذاكرة لسنوات لكنها تقفز في لحظة ما استدعتها إثارة معينة أو مشهد أو حتى موقف ما. يدفع بنا أن نعيد ذكرى أحداث ذلك اليوم أو تلك الليلة وما تضمنته من احداث مثيرة.. وصباح هذا اليوم وقبل أن ابدأ في كتابة موضوع اليوم « الاطلالة « شاهدت ما أعادني إلى تذكر احداث ليلة ولم تكن لابطالها ليلة عادية. نعم، شاهدت صورة بالصدفة وعبر أحد المواقع العالمية صورة أحد الابطال الذين كانوا بطريقة غير مباشرة وراء أحداثها. رغم انه ليس له علاقة لا من بعيد ولا من قريب دور في احداثها. وأبطال هذه « الحكاية « أربعة من الشباب أصغرهم كان في الثامنة عشرة واكبرهم كان في العشرين. وكل اثنان منهم يحمل نفس الاسم. وتبدأ حكايتهم عندما علم احدهم وكان اوسطهم في العمر ان. سينما «بقيق» التابعة لشركة النفط سوف تعرض ليلة الجمعه فيلم كاوبوي للممثل الشهير «جون واين» فنقل المعلومة لاصدقائة الثلاثة. فلم يصدقوا خبراً. فجميعهم أسرى لروعة تمثيل هذا الممثل الكبير.فعلى الفور قرروا ان يسافروا من مدينتهم التي كانت ايامها صغيرة ومحدودة المساحة. مساء الخميس إلى بقيق. على أن يضعوا ميزانية لهذه « السفرية « حسب امكاناتهم وما توفر لديهم من مصروف. وقبل يوم من السفر اجتمع الاصدقاء الاربعة في بيت اصغرهم تناولوا خلالها الخبز الاحمر وشربوا حليب الماعز بالزعفران والجنزبيل فكان الفصل ايامها شتاء. وراح كبيرهم الذي بات من هذه الجلسة. هو المسئول العام عن الرحلة ووافقوا جميعا على برنامج الرحلة بمافيها تكلفة تذاكر الدخول للسينما مع تناول العشاء في مطعم الشركة واشترط المشرف ان يكون الطعام موحدا. فلا تلعب على الواحد منهم نفسه ويندفع لاختيار اكثر من نوع من الطعام. فانواع المأكولات في مطعم الشركة مغرية فعليهم بالالتزام. فكل مالديهم من ميزانية للرحلة لايتجاوز ال 40ريالا فقط. وياويله وسواد ليله من يتجاوز ذلك. خصوصا فهم سوف يختارون للحلى « ايسكريم « قال ذلك المشرف: فااثار ذكر « الايسكريم « شهيتهم..ولوكانت هناك عدسة مكبرة لحظتها وقامت بعمل « زوم « بالقرب من افواههم. لوجدنا حركة لسانية عفوية حدثت داخلها..؟! وكان كل واحد منهم يحب الايسكريم ويلذ له عندما يسافرون إلى « بقيق « أو الظهران التوجه إلى « كانتين « الشركة ويطيح في الايسكريم «طيحة « البدوي في طاسة اللبن. بعد ان تقرر كل شيء وتم تحديد موعد السفر. انطلاقا من موقف السيارات والذي يقع على بعد خطوات من « قصر صاهود «. راح الاربعة يلعبون الكيرم. ويشربون الشاي.مر اليوم سريعا وتراكضت ساعات يوم الخميس. هاهم الان في قاعة السينما المكشوفة وهم يتابعون احداث الفيلم « « لفنانهم الشهير واين والذي جعلهم يقطعون كل هذه المسافة من مدينتهم المبرز إلى بقيق لمشاهدته. وفي هذه ليلة الشديدة البرودة. إنه يشعر بقدميه ترتجفان واسنانه تصطك. وصوتها يكاد يطغى على صوت ازيز الرصاص الذي يكاد يخترق الشاشة لولا الحياء. لخرج راكضا واتجه لداخل مطعم الشركة الدافىء. وطلب شاي بالحليب وعمره ماشاهد فيلم « لواين «.. آه كم هو بحاجة إلى شراب ساخن. وينك «يايمه « تشوفين ابنك وهو في هذه الحاله. انه يكاد يشعر بماء في قدميه من فرط البرودة على الرغم انه يلبس حذاءا جيدا. لكن البرد القارس لايعرف ذلك.. «احيك « برد.. قالها صديقه الذي يجلس إلى يمينه في المقعد الخشبي. وكانها خرجت من اعماق جوفه.. وعبرت عما يعانونه جميعا بمافيهم المشاهدين للفيلم. ماذا يفعل هل يكون شجاعا ويخرج. أم يتحمل البرودة. هل بإمكانه فعل ذلك. لا انه لايستطيع. وراح يردد بينه وبين نفسه. الله يسامحهم المسئولين عن هذه الصالة المكشوفه. لو تمت تغطيتها « بطربال « كانت مشاهدة الفيلم عال العال.. كان قد أحكم لف غترته حول وجهه ولم يترك إلا فتحة مستطيلة ليشاهد من خلالها الفيلم. ومع هذا الهواء البارد الذي يلسع عينيه.و يُحفز أنفه على المزيد من الإفرازات. لقد باتت هذه الليلة. ليلة بائسة سجلتها ذاكرته. التي لم تنسها ابدا..؟!