لم أعرف الدكتور عبدالعزيز الزير - رحمه الله - إلا في ساعة واحدة فقط، تلكم الساعة التي شاء الله أن تعيش في ذاكرتي يتيمة، تمنيت أن لها أخوات أخريات ولكن حال القدر بيني وبين المبتغى، ولكن - تلك اللحظات - لها جانب مضيء في حياتي بوصفها اللحظة التي كشفت مزايا الأستاذ الفذ بالنسبة لي، الذي وددت لو درسني لسنوات عدة في قاعات الدراسة، تلك الشخصية التي حملت في طياتها التواضع والحلم والألفة، والعطاء والبذل والتواصل والاتصال؛ وكأنه يعرف هذا الطالب زمنا ليس بالقصير.. عجبتُ من أمره وقتئذ، وأنا أحد طلاب الدراسات العليا، وذلك لأسباب عدة، منها: 1 - تبدأ محاضراتي المسائية في وقتٍ متأخرٍ، مع هذا أجد الدكتور الزير - غفر الله له - في كل يوم حاضرا في مكتبه المقابل للقاعة المدرجة المعدَّة لطلاب الدراسات العليا، طاقة في العلم والإفادة والبذل والسخاء في سبيل التربية والعطاء وبذل أسباب الخير مع من يعرف وما لا يعرف، وتذليل الصعوبات والعقبات أمام الباحثين. 2 - لا يغلق الباب أبدا، بل يدعه مفتوحا، فمرَّة أجده مع طلاب الجامعة في مرحلة البكالوريوس، ومرَّة أجده مع زملائه أساتذة الجامعة، لا أجد فرصة الالتقاء به، والجلوس معه، والاستفادة من نبعه الصافي، فكنت مثقلا بالأسئلة التي أحملها على عاتقي فيما يخص رسالتي فلربما أجد عنده جوابا شافيا كافيا لعله ينزاح عني هم أحمله، أو أجد عنده فرجا بعد الله، وقد حدث بالفعل. 3 - جلستُ معه فوجدته رحبا، رجلا مفضالا، متواضعا خلوقا، استقبلني بابتسامته العريضة، وبروحه المرحة، معطاءً دون مللٍ أو كلل، مهد الطريق أمامي بكلماته الأبوية الحانية، وبإرشادته نحو عمل منظم، ونظرته الثاقبة التي مفادها الصبر والمثابرة والجد والاجتهاد كماهو ديدن كل باحث يقظ. غفر الله له، وأسكنه فسيح جناته، وأنزله منزلة الشهداء والصالحين، ونفع بعلمه وعمله، وجمعنا به في دار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.