الحمد لله الذي خلق فقدر لكل شيء أجلاً لا ريب فيه، والصلاة والسلام على خير من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الغر الميامين وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. في أثناء خضم الأعمال اليومية في بلاد أندونيسيا وصلتني رسالة من أخي أخبرني فيها بوفاة خالي فضيلة الشيخ حمد بن محمد المحيميد ولم أتمالك نفسي من ذرف الدموع وجلست أتذكر السيرة العطرة لهذا الشيخ المفضال، فقد تحشرفت الكلمات في صدري وعجز اللسان عن النطق بها. كيف لا؟؟؟ وهو الرجل الذي أقسم بالله ولا أحنث لا تجد له مبغضاً ملك الناس بأخلاقه وعلمه وتواضعه وعفافه لا يذكر طوال عمره الذي زاد عن خمسة وسبعين عاماً أنه اغتاب أحداً أو تكلم عنه، فبصفاته الحميدة - رحمه الله - فرض حبه على كل من عرفه أو قابله يشهد لذلك الجموع الغفيرة الذين صلوا عليه وشيعوا جنازته. - رحمه الله - من مواليد مدينة بريدة ودرس ضمن الدفعات الأولى من المعهد العلمي ببريدة وتخرج من كلية الشريعة بالرياض في بداية عام الثمانينات بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة، وعيّن مدرساً بمعهد الزلفي ثم بمعهد بريدة العلمي وتخرج على يديه كثير من العلماء والوجهاء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين، منهم من يتولى رئاسة المحاكم العامة بمناطق ببلادنا الحبيبة كفضيلة رئيس محاكم منطقة تبوك والمدينة المنورة والرئيس السابق لديوان المظالم بالمنطقة الشرقية الشيخ محمد الزبن - رحمه الله - ومنهم قضاة التمييز وما لا يحصى عدداً من كبار الدعاة أو ممن انخرط في سلك التدريس سواء العام أو الجامعي، وكثير منهم أحيل على التقاعد وجميعهم يعرفون للشيخ قدره ومكانته، ولم أر إجماعاً للطلبة مثل إجماعهم على محبته وتقديره فقد كان لهم كالأب الرحيم بتواضعه وحرصه على توجيههم. أما عن علمه فهو لا يشق له غبار في علم النحو، حدثني من أثق به أنه عندما يحصل له اشكال وعدم الفهم لبعض المسائل في شرح المسائل النحوية أيام دراسته في المرحلة الجامعية كان يراجع فضيلته فيجد عنده الجواب الشافي والتوضيح الكافي بأبسط وأخصر العبارات مع ان الذين يدرسونه في الجامعة ممن يحملون الشهادات العليا التخصصية بهذا الفن، كما كان - رحمه الله - ملماً بعلم الفقه وأصوله وينحى مسلك التيسير بالفتوى على نهج قدوة الأمة وقائدها المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقد تولى إمامة الصلاة والخطابة فكانت خطبته ذات عبارات جزلة ومختصرة تحث القلوب على الطاعة والأخلاق الفاضلة، وقد حفظ القرآن خلال شهرين فقط. أما عن معاملته فكان - رحمه الله - يعطف على الصغير ويوقر الكبير ويقدر العلماء ويجلهم، حيث درس على العديد منهم كفضيلة الشيخ صالح بن أحمد الخريصي والشيخ صالح بن إبراهيم البليهي والشيخ علي الضالع والشيخ صالح السكيتي والشيخ محمد المطوع رحمهم الله جميعاً. كان له منهجه التربوي الخاص به، حيث كان يقدر طلبته وإذا اشتد غضبه على تصرف أحدهم كانت أقسى عبارة يقولها (الله يهديك) كما أنه يرى ان الطالب إذا لازم حضور الدرس طوال العام دليل على اجتهاد وموجب لنجاحه لأن الامتحان ليس هو المقياس فقط، فربما أنه يتعثر من الاجابة فيه لسبب أو آخر، فلهذا لم يذكر أنه رسب عنده شخص طوال فترة عمله بالتعليم التي زادت عن الثلاثين عاماً، وهذه النظرة شبيهة بنظرية بدأت تنتهجها وزارة التربية والتعليم، فالشيخ طبقها منذ أكثر من أربعين عاماً. فرحم الله شيخي وأسكنه فسيح جناته قدم إلى رب غفور رحيم وهو بإذن الله نحسبه والله حسيبه من الرجال الصالحين فكان هو وأخوه الأكبر الخال المفضال صالح بن محمد المحيميد أمد الله في عمره من خيرة الرجال وأصحاب عبادة وكثرة قراءة القرآن وقيام الليل لم يسمع منهما كلمة نابية أجمع كل من عرفهما على حبهما وتقديرهما. أسأل الله ان يغفر للميت وان يزيد بعمر الحي على الطاعة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم. * الملحق الديني بسفارة خادم الحرمين الشريفين في إندونيسيا