لم يكن هينًا على الإعلامي والمنتج ورجل الأعمال الأمريكي، ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين في إدارة الرئيس ترمب، أن يرحل من البيت الأبيض، فهذا اليميني المتطرف كان صاحب الفضل الأكبر بفوز ترمب بالرئاسة، فإستراتيجياته، أثناء الانتخابات الرئاسية، التي بدت غريبة ومستفزة في حينها، كانت هي السبب الأبرز لفوز ترمب، فهو الذي أقنع ترمب بأن هناك شريحة واسعة من الناخبين تشعر بالغضب من تهميشها وإهمال مطالبها من قبل المؤسسة الرسمية الأمريكية، أو الدولة العميقة، وهذه الشريحة محافظة، ولا تشعر بالود تجاه المهاجرين والأجانب عمومًا، وقد أقنع بانون ترمب بأن يركز على هذه الشريحة، ويحكي بلسانها، ويقدم لها الوعود، التي لا يمكن أن يجرؤ أي مرشح آخر على تقديمها، وهو الأمر الذي فعله ترمب. كان ترمب يدرك تمامًا ما يفعل، عندما صرح بأنه سيمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة، وأعقب ذلك بإعلان نيته بناء جدار عازل مع المكسيك، التي يتدفق منها المهاجرون لأمريكا، علاوة على تصريحاته الأخرى ضد الأقليات، وقد اعتقد المعلقون حينها أن هذه التصريحات ستحرمه من الفوز بالرئاسة، إِذ نحن نتحدث عن معقل الحرية والعدالة وحقوق الإِنسان، وبالفعل فقد كان الإعلام الأمريكي يؤكد على ذلك، أي استحالة فوز مرشح بأجندة إقصائية وعنصرية، ولكن ما غاب عن الجميع هو أن المخطط الإستراتيجي ستيف بانون كان يعلم ما لا يعلم الجميع، فقد كان معلقًا سياسيًا محافظًا في موقع برتبارت نيوز، وهو موقع يمثل أقصى اليمين الأمريكي، أو ما يمكن أن يطلق عليهم: «القوميون الأمريكيون». وتعد شريحة القوميين شريحة عنصرية متطرفة، لها موقف حاد من السود واللاتينيين والأجانب عمومًا، ومن الإسلام، ويشبه طرحها، في كثير من الوجوه، أطروحات منظمات اليمين المتطرف، ولكن بمكياج تجميلي، وكان ستيف بانون بارعًا في هذا المجال، وله شعبية جارفة، وبالتالي كان يدرك مدى توسع دائرة هذه الشريحة، ومدى حنقها على الوضع الراهن في أمريكا، أي فساد الساسة، وخدمتهم للوبيات المصالح على حساب الشعب الأمريكي، خصوصًا خلال فترة الرئيس أوباما، وقد راهن بانون على أن بإمكان هذه الشريحة أن تقلب الموازين، وهو الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد، وقد نجحت فكرته، إِذ كسب ترمب هذه الشريحة، وكسب معها شرائح أخرى، كانت ترغب بأن ترى رئيسًا مختلفًا، لا ينتمي للمؤسسة التقليدية، وبعد فوز ترمب، استقطب مستشاره الداهية، ستيف بانون، وعينه كبيرًا للإستراتيجيين في البيت الأبيض، وهو منصب مستحدث، ثم اضطر لعزله، وتبع ذلك حرب شعواء بين الرجلين، سنتحدث عنها في مقال مستقل!.