أثارت تصريحات الملياردير الأميركي، والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ضد المسلمين، حنق كثيرٍ منهم حول العالم، وهم يتفاجؤون اليوم بأن ترامب مرشح جدي للرئاسة، ينافس بقوة ويتصدر الاستطلاعات والنتائج الأولى لانتخابات الحزب الجمهوري، فما الذي يجعل مرشحاً، من المفترض أن يكون هامشياً، يحقق كل هذا الحضور؟. الجواب يكمن في صعودٍ كبير لليمين «المتطرف» العنصري في أميركا وأوروبا، حيث بدأت خطابات مثل خطابات ترامب، السطحية والموغلة في العنصرية ضد فئاتٍ بعينها، وخاصة المهاجرين، تلقى رواجاً شعبياً، أنتج فوزاً غير متوقع لعدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة في بعض البلدان الأوروبية، وصعوداً للخطاب المعادي للمهاجرين، وبالذات للمسلمين، وسط قواعد الحزب الجمهوري الأميركي.حديثنا عن أحزاب اليمين الجديد، وهي تختلف عن الأحزاب المحافظة التقليدية، في كونها تتميز بالعداء للمهاجرين، وفوبيا الأجانب، فالقاعدة الأساسية لعمل هذه الأحزاب، ووسيلتها لحشد الجماهير وراءها، تتمثل في رفض التعددية الثقافية، ومعاداة المهاجرين واعتبارهم خطراً أمنياً، وسبباً لتفشي البطالة بين «السكان الأصليين». تُفسر الأزمات الاقتصادية داخل أوروبا في السنوات الأخيرة، والأزمة المالية عام 2008 في الولاياتالمتحدة، جزءاً من صعود الأحزاب والشخصيات اليمينية المتطرفة، إذ إن زيادة معدلات البطالة دفع شرائح اجتماعية متضررة، من الطبقات العاملة، لتبني خطاب اليمين الجديد، فهذه الشرائح لم تتكيف مع اقتصاد الخدمات في عصر العولمة، الذي يبحث عن اليد العاملة الرخيصة بين كل الجنسيات، ووجدت نفسها مهمشة اقتصادياً، وراغبة في تغيير تقوده شخصيات تتميز أساساً بعنصريتها ضد الأجانب. في حالة دونالد ترامب، تلعب الطبقة العاملة داخل قواعد الحزب الجمهوري دوراً أساسياً في تعزيز موقع الرجل وقدرته على المنافسة، إذ يعتبر البِيض من أبناء هذه الطبقة أنفسهم ضحية استيلاء المهاجرين الأجانب على وظائفهم، وتواطؤ الشركات الكبرى مع المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين أيضاً، والاستفادة منهم كأيدٍ عاملة رخيصة في توسيع أرباحها، ما يجعلهم يرحبون بالملياردير ترامب، طالما هو يتبنى خطاباً معادياً للمهاجرين، مقابل المرشحين التقليديين داخل الحزب، الذين يعتبرونهم يمثلون مصالح الشركات الكبرى.لا يتوقف الأمر بالطبع على عامل واحد في تفسير صعود الخطاب اليميني العنصري داخل أميركا وأوروبا، فالصعود نتيجة تضافر عوامل عديدة، منها العامل الاقتصادي، ومنها أيضاً العامل الثقافي، المتمثل في فكرة «صدام الحضارات»، والعداء للمسلمين بالذات في السنوات الأخيرة، والنزوع باتجاه المحافظة على نمط الحياة الغربي، والهوية والثقافة في بلدان الغرب، والتي يشاع أنها تتعرض لتهديد بفعل غزو المهاجرين، الذين يطرحون تحدياً ثقافياً على المجتمعات الغربية، إضافة إلى المشكلة الاقتصادية، ما يجعل خطاباً يزايد ويغالي في الحديث عن «التميز» الثقافي والحضاري الغربي، في مواجهة ثقافاتٍ «دونية»، يحقق نجاحات مهمة.قد لا ينجح ترامب في إكمال مسيرة نجاحه، لكن المشهد الانتخابي الأميركي أظهر جنوحاً متزايداً نحو اليمين المتطرف، يعبر عن أزمة غربية في التعاطي مع المهاجرين.