كان الصبحُ في حضورِها حضورَها.. كان مفعماً بالضوء, بشذى الورد, والنعنع, وورد الصباح.. وزهرة عبّاد الشمس, وورق الليمونة المتدلية على طرف نافذتي.. تلك الأيام التي كانت فيها معي تفردُ نسيجَها اليومي في مدى الرؤية.. اليوم, قررتُ أن أكتب المقالة معكم في صبحها.. جلست للياسمينة المكتنزة بزهراتها البيضاء.. أتذكر عقدها اللؤلؤي حيث كانت تلضمه, وتزين به مداخل البيت.. وهذه الليمونة تتدلى غصونها بأوراقها الخضراء, ونبت النعنع يعبِّق الهواء ينبعث من حوضه المستطيل الذي باغتته سنابل من حبيبات الذرة مذ تساقطت عليه من نافذة العصافير, فاحتواها بتربته المشبعة فتطاولت غصونه, وهذه السدرة تنافس النخلة في الطول تشمخان بجذوعهما, تظللان أريكة تتأرجح في دلالها, لكنها لا تعبث بأفكاري.. هنا حضرت نوَّارة, وأول الذي قالت لي: كوني لجروحهم بلسماً فالشتاء قادم , والجروح في البرد تتجذّر, تطفو فتقسو, والشتاء لا يدفئ العراة, والنار جمراً يأكل في الندى, وحبيبات الذرة في الشواء لا تُشِع, ومشروب السَّحلبِ وحده لا يصدُّ رجفَ كفوفهم.. اسدلي عليهم شال العرائش في سواد الشجر, تلمُّ عظامَهم من وخز الزمهرير.. وإذا بزهرتها المبجَّلة, البيضاء كالحليب, النقية كالفطرة, فلَّة الزوايا في اتجاه الوريد, ونبت الشريان, الباقية في مكنون الرأس, ومخبأ الصدر تطلُّ.. تطل, تفصل بين الذي عادت به في حضورها المستديم, وبين الذي بين يدي, جهاز الحاسوب, وفكرتي, وأنفي الذي أفسح نسيجه مدى لعبقها المكنون, ممتزجاً بعبق الذي يحتوي المكان في مدى البصر, وعمق الجوف, وحضوركم أنتم.. هذه «عالية القرشي» صديقة الأجنحة, تطلُّ بتغريدتها عليَّ من بين الزهور أول هذا الصبح, تعيدني من المخيلة لأرضي تقول: «حتى لا تكون الحياة مملة, اصنع سعادتك بنفسك, ولا تنتظرها من أحد».. ولأنك سعادتي, وإنكِ أنتِ سعادتي يا نوَّارة حضرتِ بكامل حديقتك صنعتِ صبحي المتباهي بزهوركِ كيفما أكون !!..