كم في هذا الوقت أحتاج لحكمتك يا «نوَّارة»، حين البحر لا يتصالح مع موجه، والشجر ينفض غصونه، والغيمة تطل بأحزانها.. وكل متحرك لا يسكن عند حافة مرتفع، وكل ساكن يطل بمنكبيه.. حين لا تستقر أجنحة العصافير في أعشاشها، وتستعير الزواحف مخالب الضباع.. والغابة دنيا.. حين الليل شمس، والفجر شفقٌ.. والشتاء يلوِّح بصيف ممتد.. وأصداء نواحٍ يصك أرجاء الفراغ الكوني.. وفراغ يمتلئ بتفاصيل الخيبات، يُلطَّخُ ببثور الأوباء.. نقاؤك أين ؟!.. نسيج بساطه لخطو اللمحة كان، وغطاءً لنض الضمير فُردَ، ووجاءً عن الزمهرير بضدَّيْه امتدَّ.. كم أنتِ غائبة، وكم أنتِ حاضرة!.. والوقت لكِ، فأين أنتِ؟!.. شهرٌ ونصفٌ وكوب الحليب الأبيض لا يزال على طاولة الانتظار، شهرٌ ونصفٌ ذهبت أيامهما منذ يوم السنة الجديدة الأول، ولم يرتشف أحد في الدار رشفة من كوب حليبك الأبيض!!.. صحيح قد كنتِ تقولين لي: الوقت لا يكذب، إنه يأتيك كل يوم مع الشمس، ويتركك لذاتك قليلا مع الصمت، ويوقظك في كل نبضة مع الخفق.. الزمن الذي لي كنتِ تقولين: هو الذي تنبضين فيه.. ولا أزال أنبضُ يا نوارة، وصوتكِ لم يبهت صداه، لكن البحر لا يتصالح مع الموج، والشجر ينفض غصونه، والغيمة ثكلى بأحزانها، والحركة بنقيضيها لا تفتر، والزمهرير بنقيضيه يحلُّ يُنيخ، ويرحل.. والغابة دنيا، والعصافير خفافيش، والطيور ضباع، والجداول التي تسير هادئة مياهها تجف.. أينكِ الآن؟!.. وقد فاض الحنين، وكبرت الحاجة إلى حكمتكِ «نوَّارة»؟!..