جاءت فكرة كتابة هذا المقال بناء على استفسارات عدة، ترد لي بشكل دائم، حول ماهية وظيفة الالتزام والمطابقة؟ خاصة بعد أن أصبحت هذه الوظيفة كثيرة التداول في الآونة الأخيرة في الشركات المالية والقطاع البنكي، وتدور تساؤلات كثيرة حول دور هذه الوظيفة والمهام المنوطة بها، وماهيتها، ومستقبلها الوظيفي؟ ومن هنا جاءتني فكرة طرحها بشكل سلسلة من المقالات، تستهدف حديثي التخرج أو الراغبين الجدد للانضمام لمجال المطابقة والالتزام. سيتم تعريف وظيفة الالتزام والمطابقة حسبما ذكرت من المصادر المعروفة، فقد ورد تعريف الالتزام في المادة التحضيرية لاختبارات هيئة السوق المالية CMA2 وفقًا لسياق أسواق الأوراق المالية «بأنها وظيفة تقوم بتحديد وتقييم وتقديم المشورة والمراقبة ورفع التقارير عن مدى التزام شركة الوساطة المالية في السوق بالمتطلبات التنظيمية الخاصة بالأوراق المالية بصورة مستمرة، وما إذا كان هنالك إجراءات إشرافية مناسبة لدى شركة الوساطة». وأشارت لائحة حوكمة شركات التأمين الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي إلى الالتزام بالمادة ال123: «تتولى وظيفة مراقبة الالتزام مسؤولية مراقبة التزام الشركة بجميع الأنظمة واللوائح والتعليمات ذات العلاقة الصادرة عن المؤسسة أو الجهات الرقابية الأخرى ذات العلاقة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين مستوى الالتزام النظامي بالشركة». كلا التعريفين أعلاه تناول وظيفة الالتزام بأنها وظيفة رقابية وإشرافية، وترتبط بالإجراءات التنظيمية الصادرة من المشرع، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الوظيفة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمجلس إدارة الشركة، ومسؤولة عن رفع التقارير بصفة دورية عن مدى التزام الشركة باللوائح التنظيمية. وإضافة إلى ذلك فهي من الوظائف الواجبة لجميع الشركات المرخصة من هيئة السوق المالية، وأحد أكبر التحديات التي تواجهها هذه الشركات هو التأكد من فعاليات التزامها باللوائح والأنظمة الداخلية والخارجية للشركة، التي تضمن سير العمل، وعدم وقوع الشركة في مأزق من شأنه أن يسيء إلى سمعة الشركة. ومسؤولية هذه المهمة تقع تحت قسم المطابقة والالتزام، وتقع أيضًا على عاتق مجلس الإدارة بالدرجة الأولى. المادة ال57 من لائحة الأشخاص المرخص لهم الصادرة عن هيئة السوق المالية أكدت ضرورة تعيين مسؤول المطابقة والالتزام. وتتلخص أهم الأنشطة التي يقوم بها مسؤول المطابقة والالتزام في التأكد من سير العمل وفق الأنظمة ولوائح الهيئة أو الجهة التابعة لها، إضافة إلى الأنشطة التي تساعد الشركة على الوفاء بالتزاماتها التنظيمية. ومن الصعوبة حصر وظائف مسؤول المطابقة والالتزام في مقال واحد؛ لذا أنصح بالرجوع إلى اختبارات هيئة السوق المالية CMA2 التي شرحتها بالتفصيل. هذا، ويصنف موظفو الالتزام والمطابقة ضمن الإدارة العليا للشركة؛ وبالتالي يجب عليهم المشاركة وإبداء الرأي والمشورة في جميع القرارات بما يخدم مصلحة الشركات ومالكيها وعملاءها. تعدد المهام وكثرتها في إدارة الالتزام والمطابقة ليس بأمر مستغرب؛ وذلك نظرًا لوجوب الإشراف والتواصل مع جميع الإدارات في المنشأ أو الشركة، والتأكد من سير العمل وفق الإجراءات النظامية للجهة الإشرافية. ومتى ما كانت مهارة العناية والحرص متوافرة في موظفي الشركة كانوا عاملاً مساعدًا لمسؤول الالتزام والمطابقة. أيضًا التأكد من مهارات العناية والحرص لدى جميع موظفي المنشأ، التي متى ما كانت متوافرة في الموظفين كانوا عاملاً مساعدًا لموظف المطابقة والالتزام. علمًا بأن ثقافة الالتزام تخص جميع موظفي الشركة، وليس فقط موظف المطابقة والالتزام؛ ولذلك هناك عبء كبير على موظفي هذه الإدارة بسبب عدم انتشار ثقافة الالتزام بالشكل المطلوب في معظم الشركات بين الموظفين، وعدم التفريق بين ثقافة الالتزام وأخلاقيات المهنة التي يفترض أن يلتزم بها الجميع، بينما ثقافة الالتزام تختلف من منشأة إلى أخرى، وذلك بحسب قوانين وتشريعات الجهة المنظمة. ومتى ما كانت الإدارة العليا داعمة لقرارات موظفي المطابقة والالتزام، ومتفهمة لوجهات النظر التي تكون استباقية أو وقائية لبعض الإجراءات، ساهموا في دعم وتطوير إدارة الالتزام والمطابقة. تدرك اليوم جميع الشركات أن الالتزام مكلف، ولكن تكلفة عدم الالتزام مكلفة أكثر، وقد تؤدي إلى فقدان السمعة، وربما إلى سحب الترخيص. وهناك مراجع عدة توضح دور وفاعلية وظيفة المطابقة والالتزام، والمبادئ الرئيسة لها، ويمكن الاستعانة بها والرجوع لها، مثل بازل ومجموعة العمل المالي والبنك الدولي والمنظمة الدولية لهيئات الأسواق المالية (IOSCO)، إضافة إلى موقع هيئة السوق المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي. وجميع هذه المراجع توضح الخطوط العريضة التي تشرح دور وفاعلية هذه الوظيفة، والحد الأدنى من التشريعات الذي يجب أن يطبق فيها.