عرفتُ الدكتور القدير مختار الغوث في جامعة طيبة بالمدينة المنورة، حين حضرتُ مناقشة رسالة علمية عن الصورة في شعري وكان هو عضواً في لجنة المناقشة.. كان ذلك في شهر رجب من السنة الهجرية الماضية، وقد انبهرتُ بقوّة ملاحظاته وعمق ثقافته، والتقينا خارج الجامعة في جلسة أخرى زادتني تقديراً له واعتزازاً بصداقته.. وقبل أيام قليلة وصلتني منه عبر البريد مجموعة من كتبه وبحوثه، قرأتُ في بعضها أشياء مهمة وفي بعضها الآخر أشياء تستحقّ الإعجاب ربما، وربما تستحقّ التعجُّب!؛ ومن عناوينها: - الحركة الإسلامية في تركية - ابن قتيبة ومنتقدوه - عبيد الشعر، هل كانوا عبيداً للشعر؟ - على (الأطلال) دراسة في البناء واللغة - النحل في شعر امرئ القيس - شعر قريش في الجاهلية. طبعاً أنا لا أراجع هذه الدراسات الآن، ففي قراءتها فقط – ناهيك عن مراجعتها! – مجهودٌ لستُ على استعداد به، لا حاليا ولا لاحقاً!. ولكنني تأمّلتُ بعضها وحسب، مثل دراسته التي أراها قاسية جداً على شاعر (الأطلال) إبراهيم ناجي، فاقت قسوة طه حسين عليه.. ومن أحبّ شيئاً يغضّ الطرف عن عيوبه – إن كانت له عيوب أصلاً! – وأنا أحبّ قصيدة الأطلال، كما أحبّ معظم شعر ناجي، وسبق أن كتبتُ مقالة عنوانها (أطلال ناجي والوداع) نشرت هنا – في الجزيرة – قبل سنوات؛ لذلك ربما لا أتفق مع قسوة الدكتور مختار. كتاب (النحل في شعر امرئ القيس)، أيضاً، فيه قسوة غير مسبوقة على (ديوان امرئ القيس) الذي أحببناه كما وصلنا، على ذمّة الرواة والمحققين والناشرين، التي أحسبها أوسعَ ذمّة في الحقل الثقافيّ كله(!). ويكفي أن أنقل شيئاً من ملخّص البحث ليعرف القارئ ماذا أعني بقسوة الدكتور مختار، يقول: (إن ما يمكن أن يُعدّ من شعر امرئ القيس حقاً هو ثلاث قطع، مجموعها عشرون بيتاً، أما سائره، فإما مقطوع بنحله، وإما يحوم حوله من الشكّ ما يتعذر معه ترجيح صحته). يا إلهي.. هل كان امرؤ القيس، بصيته الشعريّ كله، مجرّد عشرين بيتاً من الشعر؟ الملك (الضلّيل) لم ينجم عن ضلاله كله سوى ثلاث (قطع) شعرية قصيرة؟! أكتفي بالتساؤل والتعجّب، مهما تكن أدلة الباحث، فليس ثمة أيّ دليل على دليل في رواية عن رواية(!)، وأنتقل سريعاً إلى الكتاب الذي استوقفني طويلاً في حالات من التأمل والضحك والخوف والإحباط.. كتاب (شعر قريش في الجاهلية).. وهو صادر عن (حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية) في جامعة الكويت، شهر سبتمبر من العام الماضي 2015 تقصّى فيه الدكتور مختار كل ما يمكنه من التقصّي ليصل إلى أبيات متفرّقة لشخصيّات قرشية بعضها معروف علامة وبعضها ملتبس الاسم أو متشابه، ولم يقصّر الدكتور في الإيضاحات ولكنّ.. على سبيل المثال، هو يضع هذين البيتين: باسم الزبير بن عبد المطلب، دون أن يذكر بأن البيتين ضمن قصيدة من عشرة أبيات نسبها محققون للزبير، وآخرون لطرفة بن العبد ووضعوها في ديوانه. ذاك مثال بسيط والمساحة هنا لا تكفي لأكثر، وسأختم بحقيقة مؤلمة شاهدتها بعيني مؤخراً في إحدى مكتباتنا التجارية: (كتاب) أظن عنوانه (مختارات من روائع نزار قباني) وفيه قصيدة (مُضناك جفاه مرقده) المعروفة لأحمد شوقي(!)، فَعَمَّ تبحثُ يا دكتور في زماننا هذا، والشعر الحديث لم يسلم من النحل فكيف بالقديم القديم؟ ربما الجواب في قول نزار: (بأنكَ كنتَ تطاردُ خيطَ دخانْ)!